فَإِنْ قُلْتَ: لَا أُعَذِّبُهُ صِفَةٌ لِعَذَابٍ؛ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: لَا يَعُودُ مِنَ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ شَيْءٌ.

قِيلَ: إِنَّ الثَّانِيَ لَمَّا كَانَ وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ جِنْسٌ، وَ «عَذَابًا» نَكِرَةٌ، كَانَ الْأَوَّلُ دَاخِلًا فِي الثَّانِي. وَالثَّانِي مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ مِثْلُ: زَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ ضَمِيرَ مَنْ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ؛ أَيْ: لَا أُعَذِّبُ الْكَافِرَ؛ أَيْ: مِثْلَ الْكَافِرِ؛ أَيْ: مِثْلَ عَذَابِ الْكَافِرِ.

قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (116) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (اتَّخِذُونِي) : هَذِهِ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى صَيِّرُونِي.

وَ (مِنْ دُونِ اللَّهِ) : فِي مَوْضِعِ صِفَةِ إِلَهَيْنِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِاتَّخِذُوا. (أَنْ أَقُولَ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ فَاعِلِ يَكُونُ، وَلِيَ الْخَبَرُ.

وَ (مَا لَيْسَ) : بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَهُوَ مَفْعُولُ أَقُولُ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: أَنْ أَدَّعِيَ، أَوْ أَذْكُرَ، وَاسْمُ لَيْسَ مُضْمَرٌ فِيهَا، وَخَبَرُهَا «لِي» وَ (بِحَقٍّ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الْجَارُّ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «بِحَقٍّ» مَفْعُولًا بِهِ تَقْدِيرُهُ: مَا لَيْسَ يَثْبُتُ لِي بِسَبَبِ حَقٍّ، فَالْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، لَا بِنَفْسِ الْجَارِّ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ لَا تَعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ «بِحَقٍّ» خَبَرَ لَيْسَ، وَ «لِي» تَبْيِينٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَقْيًا لَهُ وَرَعْيًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «بِحَقٍّ» خَبَرَ لَيْسَ، وَ «لِي» صِفَةً لِـ «حَقٍّ» ، قُدِّمَ عَلَيْهِ فَصَارَ حَالًا، وَهَذَا

يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ تَقْدِيمَ حَالَ الْمَجْرُورِ عَلَيْهِ. (

طور بواسطة نورين ميديا © 2015