وَالْقَوَافِي مَجْرُورَةٌ، وَالْجِوَارُ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ فِي الْإِعْرَابِ، وَقَلْبِ الْحُرُوفِ بِبَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ وَالتَّأْنِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَمِنَ الْإِعْرَابِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَطْفِ، وَمِنَ الصِّفَاتِ قَوْلُهُ: (عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [هُودٍ: 84] وَالْيَوْمُ لَيْسَ بِمُحِيطٍ، وَإِنَّمَا الْمُحِيطُ الْعَذَابُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) [إِبْرَاهِيمَ: 18] وَالْيَوْمُ لَيْسَ بِعَاصِفٍ، وَإِنَّمَا الْعَاصِفُ الرِّيحُ، وَمِنْ قَلْبِ الْحُرُوفِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» . وَالْأَصْلُ مَوْزُورَاتٌ، وَلَكِنْ أُرِيدَ التَّآخِي، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَا يَأْتِينَا بِالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا، وَمِنَ التَّأْنِيثِ قَوْلُهُ: (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الْأَنْعَامِ: 160] فَحُذِفَتِ التَّاءُ مِنْ عَشْرٍ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى الْأَمْثَالِ، وَهِيَ مُذَكَّرَةٌ، وَلَكِنْ لَمَّا جَاوَرَتِ الْأَمْثَالُ الضَّمِيرَ الْمُؤَنَّثَ أَجْرَى عَلَيْهَا حُكْمَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَضَعْضَعَتْ ... سُورُ الْمَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعُ.
وَقَوْلُهُمْ: ذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ.
وَمِمَّا رَاعَتِ الْعَرَبُ فِيهِ الْجِوَارَ قَوْلُهُمْ: قَامَتْ هِنْدٌ، فَلَمْ يُجِيزُوا حَذْفَ التَّاءِ إِذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنْ فَصَلُوا بَيْنَهُمَا أَجَازُوا حَذْفَهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا الْمُجَاوَرَةُ، وَعَدَمُ
الْمُجَاوَرَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرًا كَلَّمْتُهُ - اسْتَحْسَنُوا النَّصْبَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ لِمُجَاوَرَةِ الْجُمْلَةِ اسْمًا قَدْ عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَلْبُهُمُ الْوَاوَ الْمُجَاوِرَةَ لِلطَّرَفِ هَمْزَةً فِي قَوْلِهِمْ: أَوَائِلُ؛ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ طَرَفًا، وَكَذَلِكَ إِذَا بَعُدَتْ عَنِ الطَّرَفِ لَا تُقْلَبُ نَحْوُ طَوَاوِيسُ، وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُكْتَبَ فِيهِ أَوْرَاقٌ مِنَ الشَّوَاهِدِ، وَقَدْ جَعَلَ النَّحْوِيُّونَ لَهُ بَابًا، وَرَتَّبُوا عَلَيْهِ مَسَائِلَ، ثُمَّ أَصَّلُوهُ بِقَوْلِهِمْ: «جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ» حَتَّى اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ جَرِّ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ. فَأَجَازَ الِإتْبَاعِ فِيهِمَا جَمَاعَةٌ مِنْ حُذَّاقِهِمْ، قِيَاسًا عَلَى الْمُفْرَدِ الْمَسْمُوعِ، وَلَوْ كَانَ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ بِحَالٍ، لَاقْتَصَرُوا فِيهِ عَلَى الْمَسْمُوعِ فَقَطْ،