وَأَمَّا هُدًى فَأَلِفُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ ; لِقَوْلِكَ: هَدَيْتُ وَالْهُدَى.
وَفِي مَوْضِعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: رَفْعٌ، إِمَّا مُبْتَدَأٌ، أَوْ فَاعِلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ; وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هُوَ هُدًى ; وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِذَلِكَ بَعْدَ خَبَرٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ فِي فِيهِ ; أَيْ لَا رَيْبَ فِيهِ هَادِيًا، فَالْمَصْدَرُ فِي مَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَعْنَى الْجُمْلَةِ تَقْدِيرُهُ: أُحَقِّقُهُ هَادِيًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى التَّنْبِيهِ وَالْإِشَارَةِ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِلْمُتَّقِينَ) اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: كَائِنٌ أَوْ كَائِنًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهُدَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ اللَّامُ بِنَفْسِ الْهُدَى ; لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ، وَوَاحِدُ الْمُتَّقِينَ مُتَّقِي، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ وَقَى فَعَلَ، فَفَاؤُهَا وَاوٌ، وَلَامُهَا يَاءٌ، فَإِذَا بَنَيْتَ مِنْ ذَلِكَ افْتَعَلَ قَلَبْتَ الْوَاوَ تَاءً، وَأَدْغَمْتَهَا فِي التَّاءِ الْأُخْرَى، فَقُلْتَ: اتَّقَى، وَكَذَلِكَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، نَحْوَ مُتَّقٍ وَمُتَّقًى.
وَمُتَّقٍ: اسْمٌ نَاقِصٌ، وَيَاؤُهُ الَّتِي هِيَ لَامٌ مَحْذُوفَةٌ فِي الْجَمْعِ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ حَرْفِ الْجَمْعِ بَعْدَهَا ; كَقَوْلِكَ: مُتَّقُونَ وَمُتَّقِينَ وَوَزْنُهُ فِي الْأَصْلِ مُفْتَعِلُونَ ; لِأَنَّ أَصْلَهُ مُوْتَقِيُونَ، فَحُذِفَتِ اللَّامُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَوَزْنُهُ الْآنَ مُفْتَعُونَ وَمُفْتَعِينَ، وَإِنَّمَا حُذِفَتِ اللَّامُ دُونَ عَلَامَةِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّ عَلَامَةَ الْجَمْعِ دَالَّةٌ عَلَى مَعْنًى، إِذَا حُذِفَتْ لَا يَبْقَى عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى دَلِيلٌ، فَكَانَ إِبْقَاؤُهَا أَوْلَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، إِمَّا عَلَى مَوْضِعِ لِلْمُتَّقِينَ، أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي.