لا تخفى -على ذي نظر ودين - مكانةُ مختصر الشيخ خليل عند فقهاء المالكية المتأخرين، حيث صار عامة أتباع المذهب على المختصر معتمدين، وإليه راجعين، وعنه صادرين، وليس الباعث على ذلك المكانةَ الرفيعةَ لمؤلِّفه -وحسب- بل ثمة أسبابٌ كثيرةٌ تعلي من قدره وتزيد من شأنه؛ أجلُّها أصالةُ المصادر التي استَخرج منها مسائله، وهي تلك التي أشار إليها في مقدمته التي أجاب فيها سائلَه، حيث قال -رحمه الله- ما ملخَّصُه: ". . .سألني جماعةٌ مختصرًا على مذهب الإمام مالك بن أنس، مبينًا لما به الفتوى، فأجبتُ سؤالهم مشيرًا بـ "فيها" للمدونة، وبـ "الاختيار" للخمي، وبـ "الترجيح" لابن يونس، وبـ "الظهور" لابن رشد، وبـ "القول" للمازري" (?).
فاختيارات اللخمي في "التبصرة" عمادٌ من عُمُد المختصر الخليلي، وهي من المختصر بمكان، حتى لو خالف اللخمي فيها غيره من الشيوخ، ألا ترى أنَّ خليلًا رمز في مختصره برمزَين لتمييز ما أورد فيه من أقوال اللخمي فهو يشير إلى اختياره هو في نفسه بصيغة الفعل، وإلى اختياره من الخلاف بصيغة الاسم (?).
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب المالكية الذين جاؤوا بعد اللخمي من نقل كلامه واختياراته في "تبصرته"، فهي من أهم ما يُرجَع إليه في تحرير رواية المتقدمين، وتقريب الأحكام من المتفقهين.