وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّاكِرِينَ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ.
فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْثِرُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى كُلِّ ذِكْرٍ. وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتِمُ خَتْمَتَيْنِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَكْثَرُ ذِكْرِهِ التَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: " لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ".
وَقَالَ سَعِيدُ بن عبد العزيز قلت لعمر بن هانىء: أَرَى لِسَانَكَ لا يَفْتُرُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَمْ تُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: مائة ألف إلا أن تخطىء الأَصَابِعُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْبُنَانِيُّ: ذَهَبْتُ أُلَقِّنُ أَبِي وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ خَلِّ عَنِّي فَإِنِّي فِي وِرْدِي السَّادِسِ أَوِ السَّابِعِ!
(ذِكْرُكَ لِي مُؤْنِسٌ يُعَارِضُنِي ... يَعِدُنِي عَنْكَ مِنْكَ بِالظَّفْرِ)
(وَكَيْفَ أَنْسَاكَ يَا مَدَى هِمَمِي ... وَأَنْتَ مِنِّي بِمَوْضِعِ النَّظَرِ)
وَمِنَ الذَّاكِرِينَ مَنْ غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ حُبُّ الْمَذْكُورِ فَلا يَزَالُ فِي الذِّكْرِ وَالتَّعَبُّدِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبِيبٍ بِسَنَدِهِ قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ أُخْتَ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيِّ تَقُولُ:......
سَمِعْتُ أَخِي يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَعْبَدَ للَّهِ مِنْ سري