جُزْ عَلَى الشُّونِيزِيَّةِ أَوْ عَلَى قَبْرِ أَحْمَدَ، وَمَيِّزْ مَنْ أَطَاعَ مِمَّنْ أَضَاعَ فَمَنْ أَحْمَدُ؟ قُبُورُ الصَّالِحِينَ تُؤْنِسُ الزَّائِرَ، وَقُبُورُ الظُّلْمَةِ عَلَيْهَا ظلام متوافر، جذ عَلَى قُبُورِ الْعِبَادِ وَنَادِ فِي ذَلِكَ النَّادِ: أَيَّتُهَا الأَوْدِيَةُ وَالْوِهَادُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الأَوْرَادُ:
(تَعَاهَدَتْكَ الْعِهَادُ يَا طَلَلُ ... خَبِّرْ عَنِ الظَّاعِنِينَ مَا فَعَلُوا)
(فَقَالَ لَمْ أَدْرِ غَيْرَ أَنَّهُمُ ... صَاحَ غُرَابُ الْبَيْنِ فَاحْتَمَلُوا)
(لا طَابَ لَيْلِي وَلا النَّهَارُ لِمَنْ ... يَسْكُنُنِي أَوْ يَرُدُّهُمْ قَفَلُ)
(وَلا تَحَلَّيْتُ بِالرِّيَاضِ وَبِالنُّورِ ... وَمَغْنَايَ مِنْهُمُ عَطَلُ)
(خَلِّ هَذَا فَمَا عَلَيْكَ لَهُمْ ... قُلْتُ أَنِينٌ وَأَدْمُعٌ هَطَلُ)
(وَأَنَّنِي مُقْفِلُ الضَّمَائِرِ عَنْ ... حُبِّ سِوَاهُمُ مَا حَنَّتِ الإِبِلُ)
(فَقَالَ هَلا اتَّبَعْتَهُمْ أَبَدًا ... إِنْ نَزَلُوا مَنْزِلا وَإِنْ رَحَلُوا)
سُبْحَانَ مَنْ قَسَمَ الأَقْسَامَ، فَلِقَوْمٍ يَقَظَةٌ وَلِقَوْمٍ مَنَامٌ.
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلانِ بَلَغَتْ بِهِمَا عِبَادَتُهُمَا أَنْ مَشَيَا عَلَى الْمَاءِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ فِي الْبَحْرِ إِذَا هُمَا بِرَجُلٍ يَمْشِي فِي الْهَوَاءِ فَقَالا لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَدْرَكْتَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ؟ فَقَالَ: بِيَسِيرٍ مِنَ الدُّنْيَا: فَطَمْتُ نَفْسِي عَنِ الشَّهَوَاتِ وَكَفَفْتُ لِسَانِي عَمَّا لا يَعْنِينِي، وَرَغِبْتُ فِيمَا دَعَانِي، وَلَزِمْتُ الصَّمْتَ. فَإِنْ أَقْسَمْتُ عَلَى اللَّهِ أَبَرَّ قَسَمِي، وَإِنْ سَأَلْتُهُ أَعْطَانِي.
يَا بَعِيدًا عَنِ الصَّالِحِينَ، يَا مَطْرُودًا عَنِ الْمُفْلِحِينَ، لَقَدْ نَصَبَ الشَّيْطَانُ الأَشْرَاكَ وَجَعَلَ حَبَّ الْفَخِّ هَوَاكَ، وَكَمْ رَأَيْتَ مَأْسُورًا وَسْطَ ذَاكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الآنَ إِلاكَ، احْذَرْ فَخَّهُ فَهُوَ بَعِيدُ الْفِكَاكِ، كَمْ يَوْمٍ غَابَتْ شَمْسُهُ وَقَلْبُكَ غَائِبٌ، وَكَمْ ظَلامٍ أَسْبَلَ سِتْرَهُ وَأَنْتَ فِي عَجَائِبَ، كَمْ لَيْلَةٍ بِالْخَطَايَا قَطَعْتَهَا، وَكَمْ مِنْ أَعْمَالٍ قَبِيحَةٍ رَفَعْتَهَا، وَكَمْ مِنْ ذُنُوبٍ جَمَعْتَهَا وَالصُّحُفَ أَوْدَعْتَهَا، كَمْ نَظْرَةٍ مَا تَحِلُّ مَا خِفْتَ وَلا مَنَعْتَهَا، كَمْ مِنْ مَوْعِظَةٍ تَعِيهَا وَكَأَنَّكَ مَا سَمِعْتَهَا، وَكَمْ مِنْ ذُنُوبٍ تَعِيبُ غَيْرَكَ بِهَا أَنْتَ صَنَعْتَهَا، وَكَمْ أَمَرَتْكَ النَّفْسُ بِمَا يُؤْذِي فَأَطَعْتَهَا، يَا مُوَافِقًا لِنَفْسِهِ آذَيْتَهَا، خَالِفْهَا وَقَدْ نَفَعْتَهَا: