(هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّهَا ... خَلْعٌ أُعَارِكُهَا مُعِيرُ)
(وَالدَّهْرُ يَقْسِمُ مَرَّةً ... نَفْلا وَآوِنَةً يُغِيرُ)
كُلُّ رَاحَاتِ الدُّنْيَا هُمُومٌ وَكُرُوبٌ، أَمَا دَوَامُ الْعَيْشِ بِالْمَشِيبِ مَشُوبٌ.
نَظَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ وَهْبٍ وَزِيرُ الْمُهْتَدِي يَوْمًا فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى شَيْبًا كَثِيرًا فَقَالَ: عَيْبٌ لا عَدِمْنَا.
أَنْتَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْقَبْرِ تَتَقَرَّبُ، وَسَتَرْحَلُ إِلَى الْبِلَى وَتَتَغَرَّبُ، وَسَيَأْكُلُ الْمُحِبُّ بَعْدَكَ وَيَشْرَبُ، وَكَأَنَّكَ إِذَا ذُكِرْتَ أَضْرَبَ، فَخُذِ الْعُدَّةَ فَخَيْلُ الشِّدَّةِ تَسْرُبُ، وَاسْمَعْ نُصْحِي فَنُصْحِي مُجَرَّبٌ، يَا هَذَا احْذَرِ الأَمَلَ، وَبَادِرِ الْعَمَلَ، فَكَأَنَّكَ بِالأَجَلِ عَلَى عَجَلٍ. أَمَا الأَعْمَارُ كُلَّ يَوْمٍ نَاقِصَةٌ، أَمَا الْفَجَائِعُ وَارِدَةٌ وَاقِصَةٌ، أَمَا النَّكَبَاتُ لأَهْلِهَا مُعَاقِصَةٌ، أَمَا كَفُّ الْمَوْتِ قَابِضَةٌ قَانِصَةٌ، فَأَنَّى لِسَاكِنِ الدُّنْيَا بِالسَّلامَةِ الْخَالِصَةِ، كَأَنَّكَ بِالْمَوْتِ قَدْ ثَلَبَ وَقَدَحَ، وَأَوْرَى زِنَادَ الرَّحِيلِ وَقَدَحَ، وَخَلَتْ كَفُّكَ يَا مَنْ تَعِبَ وَكَدَحَ، وَتَسَاوَى لَدَيْكَ مَنْ ذَمَّ وَمَنْ مَدَحَ، مَا هَذِهِ الْعِمَارَةُ لِدَارِ خَرَابٍ، كُلَّمَا عَمَّرَهَا قَوْمٌ صَاحَ بَيْنَهُمْ لِلْبَيْنِ غُرَابٌ، أَتَبْنِي وَأَنْتَ نتقض، هَذَا الْعُجَابُ:
(رُبَّ شَرِيفِ الْبِنَاءِ عَالِيَهْ ... بِالشَّيْدِ وَالسَّاجِ كَانَ بَانِيَهْ)
(كَأَنَّمَا الشَّمْسُ فِي جَوَانِبِهِ ... بِاللَّيْلِ مِنْ حُسْنِهِ تُبَاهِيَهْ)
(تَحَارُ فِي صَحْنِهِ الرِّيَاحُ كَمَا ... يَحَارُ سَارِي الظَّلامِ فِي التِّيَهْ)
(كَانَتْ صُحُونُ فَيْحٍ تَضِيقُ بِهِ ... فَالشِّبْرُ فِي الْقَبْرِ صَارَ يَكْفِيَهْ)
الْجِدَّ الْجِدَّ قَبْلَ بَغَتَاتِ الْمَنَايَا، الْبِدَارَ الْبِدَارَ قَبْلَ حُلُولِ الرَّزَايَا، لَيَحُلَّنَّ بِكُمْ مِنَ الْمَوْتِ يَوْمٌ ذُو ظُلْمٍ يُنْسِيكُمْ مُعَاشَرَةَ اللَّذَّاتِ وَالنِّعَمِ، وَلا يُبْقِي فِي الأَفْوَاهِ إِلا طَعْمُ النَّدَمِ:
(سَلْ بِالزَّمَانِ خَبِيرًا ... إِنِّي بِهِ لَعَلِيمُ)
(وَاهِي الأَمَانَةِ ظَاعِنٌ ... بِالْمَرْءِ وَهْوَ مقيم)