فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ كَيْفَ أَهْلَكَ الْخَلْقَ الْعَظِيمَ بِالرِّيحِ الَّتِي هِيَ أَلْطَفُ الأَشْيَاءِ , لِيُبَيِّنَ أَثَرَ الْقُدْرَةِ , جَلَّ جَلالُهُ , وَكَذَلِكَ يُمِيتُ الْخَلْقَ عِنْدَ نَفْخَةٍ وَيُحْيِيهِمْ عِنْدَ نَفْخَةٍ , فَسُبْحَانَ مَنْ بَانَتْ سَطْوَتُهُ لِلْمُعَانِدِينَ فَقَهَرَتْ، وَظَهَرَتْ آثَارُ قُدْرَتِهِ لِلْمُتَّقِينَ فَبَهَرَتْ , كَمْ عُذِّبَ مَرِيضٌ بِرِيحٍ فِي حَشَاهُ يَخْتَلِفُ إِلَى أَنْ تَلِفَ.

الْكَلامُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ

(سُلْطَانُهُ فِي خَلْقِهِ قَاهِرٌ ... وَأَمْرُهُ فِي مُلْكِهِ بَاهِرُ)

(سَطْوَتُهُ بَاطِشَةٌ بِالْوَرَى ... فِي ذَرَّةٍ مُعْجِزُهَا ظَاهِرُ)

(إِذَا تَجَلَّى فِي جَلالِ الْعُلا ... ذَلَّ لَهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ)

(كُنْ حَاذِرًا مِنْ بَطْشِهِ إِنَّهُ ... فِي أَمْرِهِ وَقَهْرِهِ قَادِرُ)

(وَلُطْفُهُ فِي عَطْفِهِ رَاحِمٌ ... وَسَيْفُهُ فِي خَلْقِهِ بَاتِرُ)

أَيُّهَا النَّائِمُ وَهُوَ مُنَتْبِهٌ , الْمُتَحَيِّرُ فِي أَمْرٍ لا يُشْتَبَهُ , يَا مَنْ قَدْ صَاحَ بِهِ الْمَوْتُ فِي سَلْبِ صَاحِبِهِ , يَا إِخْوَانَ الْغَفْلَةِ تَيَقَّظُوا , يَا أَقْرَانَ الْبَطَالَةِ تَحَفَّظُوا , يَا أَهْلَ الْمُخَالَفَةِ اقْبَلُوا , يَا مُعْرِضِينَ عَنَّا أَقْبِلُوا , يَا مُبَارِزِينَ بِالذُّنُوبِ لا تَفْعَلُوا.

(أَيْنَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا أَيْنَ أَيْنَا ... مِنْ أُنَاسٍ كَانُوا حُجَّالا وَزَيْنَا)

(إِنَّ دَهْرًا أَتَى عَلَيْهِمْ فَأَفْنَى ... عَدَدًا مِنْهُمْ سَيَأْتِي عَلَيْنَا)

(خَدَعَتْنَا الآمَالُ حَتَّى جَمَعْنَا ... وَطَلَبْنَا لِغَيْرِنَا وَسَعَيْنَا)

(وَابْتَغَيْنَا مِنَ الْمَعَاشِ فُضُولا ... لَوْ قَنَعْنَا بِدُونِهَا لاكْتَفَيْنَا)

(وَلَعَمْرِي لَنَمْضِيَنَّ وَلا نَمْضِي ... بِشَيْءٍ مِنْهَا إِذَا مَا مَضَيْنَا)

(كَمْ رَأَيْنَا مِنْ مَيِّتٍ كَانَ حَيًّا ... وَوَشِيكًا يُرَى بِنَا مَا رَأَيْنَا)

(مَا لَنَا نَأْمَنُ الْمَنَايَا كَأَنَّا ... لا نُرَاهِنُ يَهْتَدِينَ إِلَيْنَا)

(عَجَبًا لامْرِئٍ تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَوْتَ ... حَقٌّ فَقَرَّ بِالْعَيْشِ عَيْنَا)

أَسَفًا لِمَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ وَقَدْ عَرَفَهَا , وَسَلَكَ بِنَفْسِهِ طَرِيقَ الْهَوَى فَأَتْلَفَهَا , أَنِسَ بِالدُّنْيَا فَكَأَنَّهُ خُلِقَ لَهَا , وَأَمَلُهُ لا يَنْتِهِي وَأَجَلُهُ قَدِ انْتَهَى , سُلِّمَتْ إِلَيْهِ بَضَائِعُ الْعُمْرِ فَلَعِبَ بِهَا , لَقَدْ رَكَنَ إِلَى رُكْنٍ مَا لَبِثَ أَنْ وَهَى , عَجَبًا لِعَيْنٍ أَمْسَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015