وَأَمَّا الإِجْزَاءُ: فَقَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَحَلْقُ العانة وتقليم الأظافر.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: تَطْهِيرُ الْجَوَارِحِ عَنِ الآثَامِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كل أولئك كان عنه مسئولا} .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَارِحَ كَالسَّوَاقِي تُوصِلُ إِلَى الْقَلْبِ الصَّافِي وَالْكَدِرِ، فَمَنْ كَفَّهَا عَنِ الشَّرِّ جَلَّتْ مَعِدَةُ الْقَلْبِ بِمَا فِيهَا مِنَ الأَخْلاطِ فَأَذَابَتْهَا وَكَفَى بِذَلِكَ حِمْيَةٌ، فَإِذَا جَاءَ الدَّوَاءُ صَادَفَ مَحَلا قَابِلا.
وَمَنْ أَطْلَقَهَا فِي الذُّنُوبِ أَوْصَلَتْ إِلَى الْقَلْبِ وَسَخَ الْخَطَايَا وَظُلْمَ الْمَعَاصِي، فَلَوْ وُضِعَ الدَّوَاءُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَلْبِ حِجَابٌ، فَلا تَكَادُ الْجَوَارِحُ تَسْلَمُ مِنَ الْخَطَايَا إِلا بِالْعُزْلَةِ، فَمَنْ أَمْكَنَهُ فَمَا أَحْسَنَهُ، وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَحَفَّظَ فِي مُخَالَطَتِهِ لِلْخَلْقِ تَحَفُّظَ الْمُجَاهِدِ فِي الْحَرْبِ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: تَطْهِيرُ الْقَلْبِ عَنِ الأَخْلاقِ الْمَذْمُومَةِ مِنَ الْحِرْصِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلا يُمْكِنُ مُعَالَجَتُهُ مِنْ أَدْوَائِهِ بِدَوَائِهِ حَتَّى تَقَعَ الْحِمْيَةُ الَّتِي وَصَفْنَاهَا فِي كَفِّ الْجَوَارِحِ، ثُمَّ يُعَالَجُ كُلُّ دَاءٍ بِدَوَائِهِ. وَكَمْ مِنْ مُتَعَبِّدٍ يُبَالِغُ فِي كَثْرَةِ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَلا يُعَانِي صَلاحَ الْقَلْبِ، وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ الْكِبْرُ وَالرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ وَالْجَهْلُ بِالْعِلْمِ وَلا يُحِسُّ بِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ تَطَلُّعُهُ إِلَى تَقْبِيلِ يَدِهِ وَإِجَابَةِ دُعَائِهِ، وَهَذِهِ آفَاتٌ لا دَوَاءَ لَهَا إِلا الرِّيَاضَةَ بِالْعِلْمِ لِيَقَعَ التَّهْذِيبُ بِإِصْلاحِ دَائِهِ، وَإِنَّمَا تَنْفَعُ الْعِبَادَةُ وَتَظْهَرُ آثَارُهَا وَتَبِينُ لَذَّاتُهَا مَعَ إِصْلاحِ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَبِيبٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بن يحيى الدبلي قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَارَةَ فَقَالَ: وَرَدْتُ الْحُجْرَةَ مَرَّةً فَإِذَا أَنَا بِمُحَمَّدِ بْنِ ثَوْبَانَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَعَبَّادٍ الْمُقْرِئِ وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلامٍ لا أَعْقِلُهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ؛ إِنِّي شَابٌّ كَمَا تَرَوْنَ أَصُومُ النَّهَارَ وَأَقُومُ اللَّيْلَ وَأَحجُّ سَنَةً وَأَغْزُو سَنَةً، مَا أَرَى فِي نَفْسِي زِيَادَةً. فَشُغِلَ الْقَوْمُ عَنِّي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا كَلامِي ثُمَّ حَانَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْتِفَاتَةٌ فَقَالَ: يَا غُلامُ إِنَّ هَمَّ الْقَوْمِ لَمْ يَكُنْ فِي كَثْرَةِ الصلاة والصيام