(وَانْقِبَاضِ الْحَيَاةِ عَمَّا يُرَجِّيهِ ... الْفَتَى وَامْتِدَادِ حَبْلِ الْغُرُورِ)
(يَلْتَحِيهِ الزَّمَانُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ... دَائِبًا كَالْتِحَاءِ غُصْنٍ نَضِيرِ)
(يَتَمَنَّى فِي الْعَيْشِ مَا لَيْسَ يَلْقَاهُ ... وَيَنْسَى حَزْمَ الزَّمَانِ الْغَيُورِ)
(وَلِعَيْنٍ غَفَتْ عَنِ الأَجَلِ الْيَقْظَانِ ... أَمْسَى بِهَا قَرِيبَ الْمَسِيرِ)
(كُلَّ يَوْمٍ يَهِيضُ لِلْمَرْءِ عَظْمًا ... وَهُوَ يَسْطُو فِيهِ بِعَظْمٍ كَسِيرِ)
(يَحْمِلُ الْمَوْتَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ إِذْ يَغْدُو ... وَيَخْشَاهُ مِنْ وَرَاءِ الثُّغُورِ)
(كُلُّ نَفْسٍ فِي مُسْتَقَرٍّ عَلَيْهَا ... وَالِجٌ مِنْ حِمَامِهَا الْمَقْدُورِ)
يَا مَنْ يَجُوبُ شَرْقَ الْهَوَى ثُمَّ يَقْطَعُ غَرْبَهُ، فَكَمْ لَهُ مِنْ طَلْعَةٍ فِي طَلَبِهِ وَغُرْبَةٍ، كَأَنَّهُ بِسَيْفِ الأَسَفِ قَدْ سَلَّ مِنْ جَفْنِهِ فَأَسَالَ مِنْ جَفْنِهِ غَرْبَهُ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ: لَيْتَ ابْنَ آدَمَ لَمْ يُخْلَقْ. فَقَالَ حَبِيبٌ الْعَجَمِيُّ: فَقَدْ وَقَعْتُمْ فَاحْتَالُوا!
تَاللَّهِ مَا اهْتَمَّ بِالْخَلاصِ إِلا أَهْلُ التُّقَى وَالإِخْلاصِ، أَيَّامُهُمْ بِالصَّلاحِ زَاهِرَةٌ، وَدَوْلَتُهُمْ لِلْعَدُوِّ قَاهِرَةٌ، وَأَعْيَنُهُمْ فِي الدُّجَى سَاهِرَةٌ، يَخَافُونَ الْعَرْضَ عَلَى أَرْضِ السَّاهِرَةِ، وَالْعُقُولُ لِلنُّفُوسِ نَاهِيَةٌ آمِرَةٌ، وَأَخْلاقُ الثِّيَابِ عَلَى أَخْلاقِ طَاهِرَةٍ، وَالدُّنْيَا عَلَيْهِمْ وَالْقُلُوبُ صَابِرَةٌ، وَفِي الْجُمْلَةِ بَاعُوا الدُّنْيَا فَاشْتَرَوْا بِهَا الآخِرَةَ.
قَالَ أَبُو يَزِيدَ: جَمَعْتُ أَسْبَابَ الدُّنْيَا فَرَبَطْتُهَا بِحَبْلِ الْقُنُوعِ، وَوَضَعْتُهَا فِي مِنْجَنِيقِ الصِّدْقِ، وَرَمَيْتُ بِهَا فِي جَبَلِ الْيَأْسِ، فَاسْتَرَحْتُ:
(قَرَّبَ الْحِرْصُ مَرْكَبًا لِشَقِيٍّ ... إِنَّمَا الْحِرْصُ مَرْكَبُ الأَشْقِيَاءِ)
(مَرْحَبًا بِالْكَفَافِ يَأْتِي عَفِيًّا ... وَعَلَى الْمُتْعِبَاتِ ذَيْلُ الْعَفَاءِ)
(ضُلَّةٌ لامْرِئٍ يُشَمِّرُ فِي الْجَمْعِ ... لِعَيْشٍ مُشَمِّرٌ لِلْفَنَاءِ)
(دَائِبًا يُكْثِرُ الْقَنَاطِيرَ لِلْوَارِثِ ... وَالْعُمْرُ دَائِبًا لانْقِضَاءِ)
(حَبَّذَا كَثْرَةُ الْقَنَاطِيرِ لَوْ كَانَ ... لِرَبِّ الْكُنُوزِ كَنْزُ بَقَاءِ)
(يَغْتَدِي يَرْحَمُ الأَسِيرَ أَسِيرًا ... جَاهِلا أَنَّهُ مِنَ الأُسَرَاءِ)
(يَحْسَبُ الْحَظَّ كُلَّهُ فِي يَدَيْهِ ... وَهُوَ مِنْهُ عَلَى مدى الجوزاء)