يَبِسَ، وَنُورُ الشَّبَابِ بِالشَّيْبِ مُنْطَمِسٌ، وَلِسَانُ الْفَرَحِ بِالتَّرَحِ قَدْ خَرِسَ، وَسَوَاءٌ فِي الْمَوْتِ الْمُهْمِلُ وَالْمُحْتَرِسُ، وَلا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ اللَّيِّنِ وَالشَّرِسِ. إِخْوَانِي: كَمْ رَأَيْتُمْ مِنْ قَبْرٍ مُنْدَرِسٍ، إِخْوَانِي: كَمْ تُلِيَ عَلَيْكُمْ زَجْرٌ وَدَرْسٌ. إِخْوَانِي: كَأَنَّكُمْ فِي كَفِّ الْمُخْتَلِسِ، إِنَّمَا هُوَ نَفَسٌ مُنْطَلِقٌ وَكَأَنْ قَدْ حُبِسَ، تُرَى مَتَى يَنْقَى هَذَا الْقَلْبُ الدَّنِسُ، إِلَى كَمْ ذَا الْمَرِيضُ كُلَّ يَوْمٍ يَنْتَكِسُ، إِنَّمَا أَنْتَ بَقِيَّةُ الرَّاحِلِينَ فَاعْتَبِرْ بِهِمْ وَقِسْ:

(نَائِبَاتٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَنُوبُ ... وَخُطُوبٌ تَأْتِي وَتَمْضِي خُطُوبُ)

(مَا عَجِيبٌ مَكْرُ الزَّمَانِ وَلَكِنْ ... ثِقَةُ النَّفْسِ بِالزَّمَانِ عَجِيبُ)

(كَمْ دَعَتْنِي إِلَى زَخَارِفِهَا الدُّنْيَا ... فَنَادَتْ مِنِّي الَّذِي لا يُجِيبُ)

(وَمَتَى سَامَحَتْ خَلِيلا بِحَظٍّ ... خَالَفَتْهَا فَاسْتَرْجَعَتْهُ الْخُطُوبُ)

(كَمْ إِلَى كَمْ نَذُودُ عَنْهَا وَنَنْهَى ... غَيْرَ أَنَّ الْقُلُوبَ مَا تَسْتَجِيبُ)

(وَصَلاحُ الأَجْسَامِ سَهْلٌ وَلَكِنْ ... فِي صَلاحِ الْقُلُوبِ يُعْيَى الطَّبِيبُ)

الدُّنْيَا بَحْرٌ عُجَاجٌ، لَيْسَ رَاكِبُهُ بِنَاجٍ، الدُّنْيَا كَظُلْمَةِ لَيْلٍ دَاجٍ، لَيْسَ فِيهَا إِلا الزُّهْدُ سِرَاجٌ، هُدُوءُهَا انْزِعَاجٌ وَسُكُونُهَا اخْتِلاجٌ، ضَيِّقَةُ الْفِجَاجِ كَدِرَةُ الْمِزَاجِ، لا تَغُرَّنَّكَ وَلَوْ أَلْبَسَتْكَ التَّاجَ، وَقَدْ خَاطَرَ مَنْ حَمَلَ فِي الْوَحْلِ الزُّجَاجَ، تُرِيكَ السَّلامَةَ تَغْرِيرًا وَتَمْوِيهًا، وَتُظْهِرُ الْمَحَاسِنَ وَالْقَبَائِحَ وَتُخْفِيهَا، تُبِينُ كُلُّ كَفٍّ كَانَتْ تَبْنِيهَا، مَا تَعْتَذِرُ إِلَى جَرِيحِهَا كِبْرًا وَتِيهًا:

(هِيَ الدُّنْيَا فَلا يَغْرُرْكَ مِنْهَا ... زَخَارِفُ تَسْتَغِرُّ ذَوِي الْعُقُولِ)

(أَقَلُّ قَلِيلِهَا يَكْفِيكَ مِنْهَا ... وَلَكِنْ لَيْسَ تَقْنَعُ بِالْقَلِيلِ)

مِحَنُ الدُّنْيَا وَلَذَّاتُهَا أُنْمُوذَجُ مَا فِي الآخِرَةِ، فَلَوْ أَصْغَى سَمْعُ الْقَلْبِ فَهِمَ.

لَمَّا أُهْدِيَتْ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ إِلَى صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ أَدْخَلَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَمَّامَ ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَيْتًا مُطَيَّبًا فَقَامَ يُصَلِّي حَتَّى بَرِقَ الْفَجْرُ، فَقَامَتْ فَصَلَّتْ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا عَمُّ أُهْدِيَتْ إِلَيْكَ ابْنَةُ عَمِّكَ فَقُمْتَ تُصَلِّي؟! فَقَالَ يا بن أَخِي أَدْخَلْتَنِي أَمْسِ بَيْتًا أَذْكَرْتَنِي بِهِ النَّارَ، ثُمَّ أَدْخَلْتَنِي اللَّيْلَةَ بَيْتًا أَذْكَرْتَنِي بِهِ الْجَنَّةَ، فما زال فكري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015