الْمَجْلِسُ الْحَادِي عَشَرَ
فِي ذِكْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لِهَيْبَةِ عَظَمَتِهِ تَحَرَّكَ السَّاكِنُ وَارْتَجَّ، وَلِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ الْتَطَمَتْ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ وَثَجَّ، وَمِنْ يَسِيرِ بَلائِهِ اسْتَغَاثَ الشَّدِيدُ الصَّبْرُ وَضَجَّ، وَإِلَى كَثِيرِ عَطَائِهِ قَطَعَ قَاصِدُوهُ الْعَمِيقَ الْفَجَّ، الَّذِي أَظْهَرَ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا مِنْ دِمَاءِ الْقَرَابِينِ السَّفْحَ وَالشَّجَّ، وَأَحَبَّ مَنْ أَكْثَرَ الدُّعَاءَ فِيهِ وَأَلَحَّ وَلَجَّ، وَسَمَّاهُ ذَا الْحِجَّةِ وَشَرَعَ فِيهِ إِلَى بَيْتِهِ الْحَجَّ، الَّذِي اسْتَدْعَى مَنْ شَاءَ إِلَى زِيَارَةِ بَيْتِهِ الْعَتِيقِ، وَحَرَّكَ عَزْمَ الْقَاصِدِ وَأَعَانَهُ بِالتَّوْفِيقِ، وَسَهَّلَ لِلسَّالِكِينَ إِلَى حَرَمِهِ مُسْتَوْعَرَ الطَّرِيقِ، وَوَعَدَ الطَّائِعِينَ الْقَبُولَ وَهُوَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ خَلِيقٌ، وَأَزْعَجَ قَاصِدِيهِ عَنْ مَسَاكِنِهِمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ بِالتَّشْوِيقِ، فَرَضُوا مِنْ أَهْلِهِمْ وَفَرِيقِهِمْ بِالْبِعَادِ وَالتَّفْرِيقِ، وَسَارَتْ بِهِمُ الأَيْنُقُ عَنِ الرَّبْعِ الأَنِيقِ، وَجَدَّتْ بِهِمُ النَّجَائِبُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ سَحِيقٍ، فَأَقْبَلُوا بَيْنَ مَاشٍ عَلَى قَدَمَيْهِ اسْتَسْعَاهُ يَقِينُ الصِّدِّيقِ {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كل فج عميق} .
أَحْمَدُهُ حَمْدَ مُوقِنٍ آمِنٍ بِهِ وَعَرَفَهُ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى إِدْرَاكِ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَشْهَدُ لَهُ بِنَفْيِ الْمَثَلِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَةِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالرَّحْمَةِ وَبِالرَّأْفَةِ وَصَفَهُ، [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي حَالَفَهُ وَمَا خَالَفَهُ، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي رَفَضَ الدُّنْيَا أَنَفَةً، وَعَلَى عُثْمَانَ الَّذِي جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ وَأَسْعَفَهُ، وَعَلَى عَلِيٍّ الَّذِي مَا أَشْكَلَ عِلْمٌ إِلا وَكَشَفَهُ، وَعَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ الَّذِي عَظَّمَ اللَّهُ بَيَتْهُ وَشَرَّفَهُ.