بِتَقْلِيلِهِ وَاخْتِصَارِهِ، وَرَأَى عَيْبَ الْهَوَى فَلَمْ يَصْطَلِ بِنَارِهِ، وَدَافَعَ الشَّهَوَاتِ وَصَابَرَ الْمَكَارِهَ، إِنْ بَحَثْتَ عَنْهُ رَأَيْتَهُ صَائِمٌ نَهَارَهُ، وَإِنْ سَأَلْتَ عَنْ لَيْلِهِ فَقَائِمٌ أَسْحَارَهُ، وَإِنْ تَلَمَّحْتَهُ فَالزَّفِيرُ فِي إِصْعَادِهِ وَالدَّمْعُ فِي انْحِدَارِهِ، وَلا يَتَنَاوَلُ مِنَ الدُّنْيَا إِلا قَدْرَ اضْطِرَارِهِ، بَاعَهَا فَاشْتَرَى بِهَا مَا يَبْقَى بِاخْتِيَارِهِ، هَلْ فِيكُمْ مُتَشَبِّهٌ بِهَذَا أَوْ عَلَى نِجَارِهِ؟
يَا حُسْنَهُ وَمَصَابِيحُ النُّجُومِ تُزْهِرُ وَالنَّاسُ قَدْ نَامُوا وَهُوَ فِي الْخَيْرِ يسهر، غسل وجهه من ماء عينه وَعَيْنُ الْعَيْنِ أَطْهَرُ، فَلَمَّا قَضَى وِرْدَ الدُّجَى جَلَسَ يَتَفَكَّرُ، فَخَطَرَ عَلَى قَلْبِهِ كَيْفَ يَمُوتُ وَكَيْفَ يُقْبَرُ، وَتَصَوَّرَ صَحَائِفَهُ كَيْفَ تُطْوَى وَكَيْفَ تنشر، فهام قلبه فِي بَوَادِي الْقَلَقِ وَتَحَيَّرَ، فَطَلَّقَ الدُّنْيَا ثَلاثًا وَهَلْ يُسْتَوْطَنُ مَعْبَرٌ.
(طَوَى مُدَّةً مِنْ دَهْرِهِ دَارَ زُخْرُفٍ ... إِلَى أَبَدٍ ذِي سُنْدُسٍ وَحَرِيرِ)
(أَلا تِلْكُمُ الدَّارُ الَّتِي حَلَّ أَهْلُهَا ... بِنَاءٍ عَنِ الْخَطْبِ الْمُخَوِّفِ شَطِيرِ)
(لَهُمْ مَا اشْتَهَوْا فيها مَسُوقًا إِلَيْهِمُ ... مَقُودًا إِذَا شَاءُوا بِغَيْرِ جَرِيرِ)
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أنزل فيه القرآن}
إِخْوَانِي: اسْتَدْرِكُوا بَاقِي الشَّهْرِ فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَوْقَاتِ الدَّهْرِ، وَاحْصُرُوا النُّفُوسَ عَنْ هَوَاهَا بِالْقَهْرِ، وَقَدْ سَمِعْتُمْ بِالْحُورِ الْعِينِ فَاهْتَمُّوا بِالْمَهْرِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ بِسَنَدِهِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ رَمَضَانَ ".
عِبَادَ اللَّهِ: اعْلَمُوا أَنَّ النِّصْفَ الأَخِيرَ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ، لأَنَّ فِيهِ الْعَشْرَ وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَالأَعْمَالُ تُضَاعَفُ بِشَرَفِ وَقْتِهَا وَمَكَانِهَا.