نَفْسِي أَنْ لا أَرُدَّ دَعْوَةَ صَائِمِ رَمَضَانَ.
(مَنْ نَالَهُ دَاءٌ دَوٍ بِذُنُوبِهِ ... فَلْيَأْتِ فِي رَمَضَانَ بَابَ طَبِيبِهِ)
(فَخُلُوفُ هَذَا الصَّوْمِ يَا قَوْمِ اعْلَمُوا ... أَشْهَى مِنَ المسك السحيق وطيبه)
(أو ليس هَذَا الْقَوْلُ قَوْلَ مَلِيكِكُمْ ... الصَّوْمُ لِي وَأَنَا الَّذِي أَجْزِي بِهِ)
أَيْنَ مَنْ كَانَ مَعَكُمْ في رمضان الماضي؟ أما أفتنه آفَاتُ الْمَنُونِ الْقَوَاضِي، أَيْنَ مَنْ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ؟ سَافَرَ عَنْ دَارِهِ مُنْذُ زَمَانٍ وَلَمْ، أَيْنَ مَنْ صَبَرَ عَلَى مَشَقَّةِ الْجُوعِ وَالظَّمَا، غَابَ فَمَا آبَ وَمَضَى فَمَا، أَيْنَ الَّذِينَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالأَدْعِيَةِ خَرَجَتْ تِلْكَ الْجَوَاهِرُ مِنْ تِلْكَ الأَوْعِيَةِ، أَيْنَ مَنْ جَمَعَ مَالا وَوَفَرَّا، وَأَعْلَقَ مِنْ ظُفْرِهِ بِالْمُرَادِ ظَفْرًا،
وَمَشَى إِلَى أَغْرَاضِهِ جَمْزًا وَطَفْرًا، أَمَا أَخْرَجَ الْمَوْتُ كَفَّهُ صِفْرًا؟ أَمَا أَعَادَ دِيَارَهُ بِالْخَرَابِ قَفْرًا؟ كَانَتْ تُلاحِظُهُ عُيُونُ الأَجْدَاثِ خَزْرًا وَتَلْمَحُهُ وَهُوَ فِي لَذَّاتِهِ شَزْرًا، فَنَقَلَتْهُ وَهُوَ أَثْقَلُ بِالْوِزْرِ أَزْرًا، ثُمَّ طَالَ عَذَابُهُ وَإِنَّمَا نَالَ نُزْرًا، وَأَوْطَأَتْهُ جَمْرًا لا يُشْبِهُ جَمْرًا فَبَانَ فِي أَسْرِهِ أَذَلَّ الأَسْرَى.
(سَلِ الأَيَّامَ مَا فَعَلَتْ بِكِسْرَى ... وَقَيْصَرَ وَالْقُصُورَ وَسَاكِنِيهَا)
(أَمَا اسْتَدْعَتْهُمْ لِلْمَوْتِ طُرًّا ... فَلَمْ تَدَعِ الْحَلِيمَ وَلا السَّفِيهَا)
(دَنَتْ نَحْوَ الدَّنِيِّ بِسَهْمِ خَطْبٍ ... فَأَصْمَتْهُ وَوَاجَهَتِ الْوَجِيهَا)
(أَمَا لَوْ بِيعَتِ الدُّنْيَا بِفَلْسٍ ... أَنِفْتُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَشْتَرِيهَا)
إِخْوَانِي: تَفَكَّرُوا لِمَاذَا خُلِقْتُمْ فَالتَّفَكُّرُ عِبَادَةٌ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَ الإِلَهِ فَقَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ، وَالْتَفِتُوا عَنْ أَسْبَابِ الشَّقَاءِ إِلَى أَسْبَابِ السَّعَادَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ فِي نَقْصٍ مِنَ الأَعْمَارِ لا فِي زِيَادَةٍ.
آهٍ لِنَفْسٍ أَقْبَلَتْ عَلَى الْعَدُوِّ وَقَبِلَتْ، وَبَادَرَتْ مَا يُؤْذِيهَا مِنَ الْخَطَايَا وَعَجِلَتْ، مَنْ لَهَا إِذَا نُوقِشَتْ عَلَى أَفْعَالِهَا وَسُئِلَتْ، وَقُرِّرَتْ بِقَبَائِحِهَا يَوْمَ الْحَشْرِ