بِلاهُمْ أَيْ وَاللَّهِ وَعَاثَ. بَاتُوا شِبَاعًا مِنَ الأَمَلِ فَإِذَا هُمْ غِرَاثٌ وَبَانَ لَهُمْ أَنَّ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْهَوَى أَضْغَاثٌ وَاسْتَغَاثُوا بالخلاص وقد فات الغيات، عجبا لهم مالهم صَيَّرَ النَّوَى مَالَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ. فَدَبِّرُوا أَنْتُمْ أَحْوَالَكُمْ فَغَدًا تَرَوْنَ أَمْوَالَكُمْ لِلْوُرَّاثِ، أَسَفًا لأَجْسَامٍ ذُكُورٍ وَعُقُولِ إِنَاثٍ:
(أَكَبَّ بَنُو الدُّنْيَا عَلَيْهَا وَإِنَّهَا ... لَتَنْهَاهُمُ الأَيَّامُ عَنْهَا لَوِ انْتَهَوْا)
(مَضَى قَبْلَنَا قُدُمًا قُرُونٌ كَثِيرَةٌ ... وَنَحْنُ وَشِيكًا مَا سَنَمْضِي كَمَا مَضَوْا)
(سَيَبْكُونَ حُزْنًا حَوْلَ قَبْرِكَ سَاعَةً ... وَلا يَبْرَحُونَ الْقَبْرَ إِلا وَقَدْ سَلَوْا)
(رَأَيْتَ بَنِي الدُّنْيَا إِذَا مَا سَمَوْا بِهَا ... هَوَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ مَا سَمَوْا)
يَا مَنْ يَجُولُ فِي الْمَعَاصِي قَلْبُهُ وَهَمُّهُ، يَا مُؤْثِرَ الْهَوَى عَلَى التُّقَى لَقَدْ ضَاعَ حَزْمُهُ، يَا مُعْتَقِدًا صِحَّتَهُ فِيمَا هُوَ سُقْمُهُ، يَا مَنْ كُلَّمَا زَادَ عُمْرُهُ زَادَ إِثْمُهُ، يَا طَوِيلَ الأَمَلِ وَقَدْ رَقَّ عَظْمُهُ، أَمَا وَعَظَكَ الزَّمَانُ وَزَجَرَكَ مَلَمُّهُ، أَيْنَ الشَّبَابُ قُلْ لِي قَدْ بَانَ رَسْمُهُ، أَيْنَ زَمَانُ الْمَرَحِ لَمْ يَبْقَ إِلا اسْمُهُ، أَيْنَ اللَّذَّةُ ذَهَبَ الْمَطْعُومُ وَطَعْمُهُ، كَيْفَ يُقَاوِي الْمُقَاوِي وَالْمَوْتُ خَصْمُهُ، كَيْفَ
خَلاصُ مَنْ قَدْ أُغْرِقَ فِيهِ سَهْمُهُ، يَا لَدِيغَ الأَمَلِ قَدْ بَالَغَ فِيهِ سُمُّهُ، يَا قَلِيلَ الْعِبَرِ وَقَدْ رَحَلَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، يَا مَنْ سَيَجْمَعُهُ اللَّحْدُ عَنْ قَلِيلٍ وَيَضُمُّهُ، كَيْفَ يُوعَظُ مَنْ لا يَعِظُهُ عَقْلُهُ وَلا فَهْمُهُ، كَيْفَ يُوقَظُ مَنْ نَامَ قَلْبُهُ لا عَيْنُهُ وَلا جِسْمُهُ.
(إِذَا لَمْ تَكُنْ دُنْيَاكَ دَارَ إِقَامَةٍ ... فَمَا لَكَ تَبْنِيهَا بِنَاءَ مُقِيمْ)
(وَمَا صَحَّ وُدُّ الْخِلِّ فِيهَا وَإِنَّمَا ... يُغَرُّ بِوُدٍّ فِي الْحَيَاةِ سَقِيمْ)
(وَجَدْتَ بَنِي الأَيَّامِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ ... يَعُدُّونَ فِيهَا شَقْوَةً كَنَعِيمْ)
(تزيدك فقرا كلما ازددت ثروة ... فتلفى غنيا في ثياب عديم)