لله در أقوام أخصلوا الأَعْمَالَ وَحَقَّقُوهَا، وَقَيَّدُوا شَهَوَاتِهِمْ بِالْخَوْفِ وَأَوْثَقُوهَا، وَسَابَقُوا السَّاعَاتِ بِالطَّاعَاتِ فَسَبَقُوهَا، وَخَلَّصُوا أَعْمَالَهُمْ مِنْ أَشْرَاكِ الرياء وأطلقوها، وقهروا بالرياضة أغراض النُّفُوسِ الرَّدِيَّةِ فَمَحَقُوهَا، فَعَنْ إِبْعَادِ مِثْلِهِمْ وَقَعَ نَهْيُ النَّبِيِّ {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي} .
صعدت صحائفهم من الأكدار ضافية، وَارْتَفَعَتْ أَعْمَالُهُمْ بِالإِخْلاصِ ضَافِيَةً، وَأَصْبَحَتْ نُفُوسُهُمْ عَنِ الدُّنْيَا مُتَجَافِيَةً، وَالنَّاسُ فِي أَخْلاطِ وَالْقَوْمُ فِي عَافِيَةٍ، فَفَاقَ الْمَوْلَى مِنْهُمْ عَلَى الرَّئِيسِ الْقُرَشِيِّ {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} .
دُمُوعُهُمْ بِالأَحْدَاقِ مُحَدِّقَةٌ، وَرُءُوسُهُمْ فِي الأَسْحَارِ مُطْرِقَةٌ، وَأَكُفُّهُمْ بِمَا تَسْكُبُهُ فِي الْخَيْرِ مُنْفِقَةٌ، وَنُفُوسُهُمْ بَعْدَ الْجِدِّ مِنَ اللَّوْمِ مُشْفِقَةٌ، يَرِدُونَ مِنْ حِيَاضِ الْمُصَافَاةِ عَلَى أَوْفَى الرِّيِّ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي} . خَلَّصُوا الأَعْمَالَ مِنَ الأَكْدَارِ نَفْلا وَفَرْضًا، وَاجْتَهَدُوا فِي طَاعَةِ مَوْلاهُمْ لِيَرْضَى، وَحَضُّوا أَنْفُسَهُمْ لِطَلَبِ الْحَظِّ الأَحَظِّ حَضًّا، وَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَنْ غَضِّ الشَّهَوَاتِ غَضًّا، فَإِذَا أَبْصَرْتَهُمْ رَأَيْتَ أَجْسَادًا مَرْضَى وَعُيُونًا قَدْ أَلِفَتِ السَّهَرَ فَمَا تَكَادُ تَطْعَمُ غَمْضًا، بَادَرُوا أَعْمَارَهُمْ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهَا سَاعَاتٍ تَتَقَضَّى، فَأَمَدَّهُمْ بِالْعَوْنِ السَّرْمَدِيِّ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} .
ابتلاهم فرضوا وصبروا، وأنعم عليهم فاعترفوا وشكروا، وجاءوا بكل ما يرضى ثم اعتذروا، وجاهدوا العدو فما انقشعت الحرب حتى ظفروا، فنالوا غاية الإمكان في المكان العلي {يدعون ربهم بالغداة والعشي} .
(للَّهِ دَرُّ أُنَاسٍ أَخْلَصُوا الْعَمَلا ... عَلَى الْيَقِينِ ودانو بِالَّذِي أُمِرُوا)
(أَوْلاهُمْ نِعَمًا فَازْدَادَ شُكْرُهُمُ ... ثُمَّ ابْتَلاهُمْ فَأَرْضَوْهَ بِمَا صَبَرُوا)
(وَفَّّوْا لَهُ ثُمَّ وَافَوْهُ بِمَا عَمِلُوا ... إِذًا سَيُوفِيهِمْ يَوْمًا إِذَا نُشِرُوا)
قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: يَا سَعْدُ أَلا تَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِذَا لَقِيتُ الْعَدُوَّ غَدًا فَلَقِّنِي