قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} .
أَصْلُ الْخُشُوعِ: الْخُضُوعُ وَالتَّوَاضُعُ. وَفِي الْمُرَادِ بِهِ هَاهُنَا ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَرْكُ الالْتِفَاتَ في الصلاة. قاله علي عليه السلام. وَالثَّانِي. السُّكُونُ فِي الصَّلاةِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ: وَالثَّالِثُ: النَّظَرُ إِلَى مَوَاضِعِ السُّجُودِ. قَالَهُ قَتَادَةُ.
عَرَفُوا طَرِيقَ النَّجَاةِ فَوَقَفُوا عَلَى قَدَمِ الأَدَبِ فِي الْمُنَاجَاةِ , فَنَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا رَجَاهُ , فَلَهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُ قَدْرٍ وَجَاهٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ , أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ , أنبأنا إسماعيل ابن إِسْحَاقَ , حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمًا يُصَلِّي فِي الْحِجْرِ مُرْخِيًا يَدَيْهِ , فَوَافَى حَجَرٌ قِذَافٌ فَذَهَبَ بِطَائِفَةٍ مِنْ ثَوْبِهِ , فَمَا انْفَتَلَ مِنْ صَلاتِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ: وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ بَكَّارٍ الْبَاقِلاوِيُّ , قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: كَانَ الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيُّ يَوْمًا يُصَلِّي فَوَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ كُورُ الزَّنَابِيرِ فَمَا الْتَفَتَ وما انفتل حتى أتم صلاته فنظروا فَإِذَا رَأْسُهُ قَدْ صَارَ هَكَذَا مِنْ شِدَّةِ الانْتِفَاخِ.
وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لا يَلْتَفِتُ فِي صَلاتِهِ وَلَقَدِ انْهَدَمَتْ نَاحِيَةٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَفَزِعَ لَهَا أَهْلُ السُّوقِ فَمَا الْتَفَتَ. وَكَانَ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ سَكَتَ أَهْلُ بَيْتِهِ , فَإِذَا قَامَ يُصَلِّي تَكَلَّمُوا أَوْ ضَحِكُوا عِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ عَنْهُمْ. وَكَانَ يَقُولُ: إِلَهِي مَتَى أَلْقَاكَ وَأَنْتَ عَنِّي رَاضٍ.
(إِذَا اشْتَغَلَ اللاهُونَ عَنْكَ بِشُغْلِهِمْ ... جَعَلْتُ اشْتِغَالِي فِيكَ يَا مُنْيَتِي شُغُلِي)
(فَمَنْ لِي بِأَنْ أَلْقَاكَ فِي سَاعَةِ الرِّضَا ... وَمَنْ لِي بِأَنْ أَلْقَاكَ وَالْكُلُّ لي من لي)