فَانْظُرْ إِلَى مَقْتِ هَؤُلاءِ أَنْفُسَهُمْ حَتَّى أَسْلَمُوهَا إِلَى الْهَلاكِ غَضَبًا عَلَيْهَا لِمَا فَعَلَتْ.

وَمِنَ التَّائِبِينَ مَنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّعْرِيضُ بِقَتْلِهَا , فَكَانَ يُنَغِّصُ عَيْشَهَا.

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: رَأَيْتُ ضيغماً العابد فد أَخَذَ كُوزًا مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ فَصَبَّهُ فِي الحب وَاكْتَالَ غَيْرَهُ , فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: نَظَرْتُ نَظْرَةً وَأَنَا شَابٌّ فَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي

أَلا أُذِيقَهَا الْمَاءَ الْبَارِدَ , أُنَغِّصُ عَلَيْهَا أَيَّامَ الْحَيَاةِ.

يَا نَادِمًا عَلَى الذُّنُوبِ أَيْنَ أَثَرُ نَدَمِكَ , أَيْنَ بُكَاؤُكَ عَلَى زَلَّةِ قَدَمِكَ , أَيْنَ حذرك من أليم الْعِقَابِ , أَيْنَ قَلَقُكَ مِنْ خَوْفِ الْعِتَابِ , أَتَعْتَقِدُ أَنَّ التَّوْبَةَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ , إِنَّمَا التَّوْبَةُ نَارٌ تَحْرِقُ الإِنْسَانَ. جَرِّدْ قَلْبَكَ مِنَ الأَقْذَارِ , ثُمَّ أَلْبِسْهُ الاعْتِذَارَ , ثُمَّ حَلِّهِ حُلَّةَ الانْكِسَارِ , ثُمَّ أَقِمْهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ.

لَهَجَ بَعْضُ الْعُبَّادِ بِالْبُكَاءِ , فَعُوتِبَ عَلَى كَثْرَتِهِ فَقَالَ:

(بَكَيْتُ عَلَى الذُّنُوبِ لِعُظْمِ جُرْمِي ... وَحَقٌّ لِكُلِّ مَنْ يَعْصِي الْبُكَاءُ)

(فَلَوْ أَنَّ الْبُكَاءَ يَرُدُّ هَمِّي ... لأَسْعَدَتِ الدُّمُوعُ مِعَا دِمَائِي)

اعْلَمْ أَنَّ التَّائِبَ الْمُحَقِّقَ يَشْغَلُهُ تَنْظِيفُ مَا وَسِخَ , وَالْحُزْنُ عَلَى مَا فَرَّطَ عَنْ تَصْوِيرِ زَلَّةٍ ثَانِيَةٍ.

[يَا هَذَا] اكْتُبْ قِصَّةَ الرُّجُوعِ بِقَلَمِ النُّزُوعِ بِمِدَادِ الدُّمُوعِ , وَاسْعَ بِهَا عَلَى قَدَمِ الْخُضُوعِ إِلَى بَابِ الْخُشُوعِ , وَأَتْبِعْهَا بِالْعَطَشِ وَالْجُوعِ , وَسَلْ رَفْعَهَا فَرُبَّ سُؤَالٍ مَسْمُوعٍ , كَمْ هَتَكَ سِتْرَ مَنْ فَعَلَ خَطِيئَةً قَدْ فَعَلْتَهَا وَسُتِرْتَ , فَابْكِ عَلَى كَثْرَةِ الذَّنْبِ أَوْ [عَلَى] قِلَّةِ الشُّكْرِ.

(لَئِنْ جَلَّ ذَنْبِي وَارْتَكَبْتُ الْمَآثِمَا ... وَأَصْبَحْتُ فِي بَحْرِ الْخَطِيئَةِ عَائِمَا)

(أُجَرِّرُ ذَيْلِي فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى ... لأَقْضِيَ أَوْطَارَ الْبَطَالَةِ هَائِمَا)

(فَهَا أَنَا ذَا يَا رَبِّ أَقْرَرْتُ بِالَّذِي ... جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي وَأَصْبَحْتُ نَادِمَا)

(أَجَلُّ ذُنُوبِي عِنْدَ عَفْوِكَ سَيِّدِي ... حَقِيرٌ وَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبِي عَظَائِمَا)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015