(وَبَعِيدٌ مَا لَيْسَ يَأْتِي وَمَا يُدْنِيهِ ... مِنْكَ الْعَصْرَانِ غَيْرُ بَعِيدِ)
{ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا فِي اللَّذَّاتِ يَتَقَلَّبُونَ , وَيَتَجَبَّرُونَ على الخلق ولا يغلبون , مزجت لهم كؤوس الْمَنَايَا فَبَاتُوا يَتَجَرَّعُونَ {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كانوا يمتعون} .
مَدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى الْحَرَامِ , وَأَكْثَرُوا مِنَ الزَّلَلِ وَالآثَامِ , وَكَمْ وُعِظُوا بِمَنْثُورٍ وَمَنْظُومٍ
مِنَ الْكَلامِ , لَوْ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كانوا يمتعون} .
حُمِلَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي كَفَنٍ , إِلَى بَيْتِ الْبِلَى وَالْعَفَنِ , وَمَا صَحِبَهُمْ غَيْرُهُ مِنَ الْوَطَنِ , مِنْ كُلِّ مَا كَانُوا يَجْمَعُونَ {مَا أَغْنَى عنهم ما كانوا يمتعون} .
ضَمَّهُمْ وَاللَّهِ التُّرَابُ , وَسُدَّ عَلَيْهِمْ فِي ثَرَاهِمُ الْبَابُ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ , وَالأَحْبَابُ يَرْجِعُونَ {مَا أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} .
أَيْنَ أَمْوَالُهُمْ وَالذَّخَائِرُ , أَيْنَ أَصْحَابُهُمْ وَالْعَشَائِرُ , دَارَتْ عَلَى الْقَوْمِ الدَّوَائِرُ , فَفِيمَ أَنْتُمْ تَطْمَعُونَ {مَا أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} .
شُغِلُوا عَنِ الأَهْلِ وَالأَوْلادِ , وَافْتَقَرُوا إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الزَّادِ , وَبَاتُوا مِنَ النَّدَمِ عَلَى أَخَسِّ مِهَادِ , وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ حَصَادِ مَا كَانُوا يَزْرَعُونَ {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} .
أَيْنَ الْجُنُودُ وَالْخَدَمُ , أَيْنَ الْحِرَمُ وَالْحَرَمُ , أَيْنَ النعم والنعم , بعد ما كَانُوا يَرْبَعُونَ فِيمَا يَرْتَعُونَ {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ ما كانوا يمتعون} .
لَوْ رَأَيْتَهُمْ فِي حُلَلِ النَّدَامَةِ , إِذَا بَرَزُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَعَلَيْهِمْ لِلْعِقَابِ عَلامَةٌ ,