مَقَامٍ نَاطِقٍ إِلَى حَالِ صَامِتٍ , وَبَقِيتَ مُتَحَيِّرًا كَالأَسِيرِ الْبَاهِتِ , وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسٌ تَخْرُجٌ وَنَفْسُ هَافِتٍ , وَقَدْ مَضَى فَمَنْ يَرُدُّ الْفَائِتَ , وَصِرْتَ فِي حَالَةٍ يَرْثِي لَهَا الشَّامِتُ , يَا عَجَبًا كَيْفَ يَفْرَحُ هَالِكٌ فَائِتٌ.
عِبَادَ اللَّهِ: النَّظَرَ النظر إلى العواقب , فإن اللبيب لها يراقب , أَيْنَ تَعَبُ مَنْ صَامَ الْهَوَاجِرَ , وَأَيْنَ لَذَّةُ الْعَاصِي الْفَاجِرِ , رَحَلَتِ اللَّذَّةُ مِنَ الأَفْوَاهِ إِلَى الصَّحَائِفِ , وَذَهَبَ نَصَبُ الصَّالِحِينَ بِجَزَعِ الْخَائِفِ , فَكَأَنْ لَمْ يَتْعَبْ مِنْ صَابَرَ اللَّذَّاتِ وَكَأَنْ لَمْ يَلْتَذَّ مَنْ نَالَ الشَّهَوَاتِ.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ , أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , حَدَّثَنَا يَزِيدُ , حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يقال له: يا بن آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ثم يقال له: يا بن آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ".
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ.
وَقِيلَ: حَبَسَ بَعْضُ السَّلاطِينَ رَجُلا زَمَانًا طَوِيلا ثُمَّ أخرجه قفال لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ
مَحْبِسُكَ؟ قَالَ: مَا مَضَى مِنْ نَعِيمِكَ يَوْمٌ إِلا وَمَضَى مِنْ بُؤْسِي يَوْمٌ , حَتَّى يَجْمَعَنَا يَوْمٌ.
وَرُوِّينَا أَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ رَأَى رَاهِبًا فِي قُلَّةِ جَبَلٍ فَصَاحَ بِهِ: يَا رَاهِبُ مَنْ أَنِيسُكَ. فَقَالَ: اصْعَدْ تَرَهْ. فَصَعِدَ دَاوُدُ فَإِذَا مَيِّتٌ مُسَجًّى قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: قِصَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ. فَدَنَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهِ لَوْحٌ عَلَيْهِ