وفي قوله: {ينظرون} قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: يَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْكَرَامَةِ. وَالثَّانِي: إِلَى أَعْدَائِهِمْ حِينَ يُعَذَّبُونَ.
كَانُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى الْمُجَاهَدَةِ يُصِرُّونَ , وَفِي دَيَاجِي اللَّيْلِ يَسْهَرُونَ , وَيَصُومُونَ وَهُمْ عَلَى الطَّعَامِ يَقْدِرُونَ , وَيُسَارِعُونَ إِلَى مَا يُرْضِي مَوْلاهُمْ وَيُبَادِرُونَ , فَشَكَرَ مَنْ رَاحَ مِنْهُمْ وغدا فهم غدا {على الأرائك ينظرون} .
كانون يحملون أعباء الجهد والعنا , ويفرحون بِاللَّيْلِ إِذَا أَقْبَلَ وَدَنَا , وَيَرْفُضُونَ الدُّنْيَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّهَا تَصِيرُ إِلَى الْفَنَا , وَيُخَلِّصُونَ الأَعْمَالَ مِنْ شَوَائِبِ الآفَاتِ لَنَا , وَيُحَارِبُونَ الشَّيْطَانَ بِسِلاحٍ مِنَ التُّقَى أَقْطَعَ مِنَ السَّيْفِ وَأَصْلَبَ مِنَ الْقَنَا , فَغَدًا يَتَّكِئُونَ عَلَى الأَرَائِكَ وَقُطُوفُهُمْ دَانِيَةُ الْمُجْتَنَى , وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا النَّعِيمِ أَنْ أَتَجَلَّى لَهُمْ أَنَا , كَفَى فَخْرًا أَنَّهُمْ عِنْدِي غَدًا يَحْضُرُونَ {على الأرائك ينظرون} .
كَانَتْ جُنُوبُهُمْ تَتَجَافَى عَنْ مَضَاجِعِهَا , وَلا تَسْكُنُ لأَجْلِي إِلَى مَوَاضِعِهَا , وَتَطْلُبُ مِنِّي نُفُوسُهُمْ جَزِيلَ مَنَافِعِهَا , وَتَسْتَجِيرُنِي مِنْ مَوَانِعِهَا وَتَسْتَعِيذُ بِجَلالِي مِنْ قَوَاطِعِهَا , وَتَصُولُ بِعِزَّتِي عَلَى مَخَادِعِهَا , فَقَدْ أَبْدَلْتُهُمْ بِتَعَبِ تِلْكَ الْمُجَاهَدَةِ لَذَّةَ السُّكُونَ , فَهُمْ {عَلَى الأرائك ينظرون} .
يَا حُسْنَهُمْ وَالْوِلْدَانُ بِهِمْ يَحُفُّونَ , وَالْمَلائِكَةُ لَهُمْ يَزُفُّونَ , وَالْخُدَّامُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَقِفُونَ , وَقَدْ أَمِنُوا مَا كَانُوا يَخَافُونَ , وَبِالْحُورِ الْعِينِ الْحِسَانِ فِي خِيَامِ اللُّؤْلُؤِ يَتَنَعَّمُونَ , وَعَلَى أَسِرَّةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَتَزَاوَرُونَ , وَبِالْوُجُوهِ النَّضِرَةِ يَتَقَابَلُونَ , وَيَقُولُونَ بِفَضْلِي عَلَيْهِمْ وَنِعْمَتِي لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ {عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} .
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نضرة النعيم} قَالَ الْفَرَّاءُ: بَرِيقَ النَّعِيمِ.