الأَنْهَارِ وَلا لِغَرْسِ الأَشْجَارِ , وَلَكِنْ لِظَمَإِ الْهَوَاجِرِ وَمُكَابَدَةِ السَّاعَاتِ وَمُزَاحَمَةِ الْعُلَمَاءِ بِالرَّكْبِ عِنْدَ حِلَقِ الذِّكْرِ.
وَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ جَعَلَ يَقُولُ: أَلا رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمِثْلِ مَصْرَعِي هَذَا؟ أَلا رَجُلٌ
يَعْمَلُ لِمِثْلِ سَاعَتِي هَذِهِ , أَلا رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمِثْلِ يَوْمِي هَذَا! وَبَكَى. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: تَبْكِي وَقَدْ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقال: ومالي لا أَبْكِي وَلا أَدْرِي عَلامَ أُهْجَمُ مِنْ ذُنُوبِي.
وَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَكَى , فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: بُعْدُ الْمَفَازَةِ وَقِلَّةُ الزَّادِ وَعَقَبَةٌ كَئُودٌ , الْمَهْبِطُ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ.
وَقِيلَ لِحُذَيْفَةَ فِي مَرَضِهِ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ الْجَنَّةَ. قِيلَ: فَمَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: الذُّنُوبَ.
وَلَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قيل له: كيف تجدك؟ فقال: والله لكأن جنبي في تَخْتٍ , وَكَأَنِّي أَتَنَفَّسُ مِنْ سَمِّ الْخِيَاطِ , وَكَأَنَّ غُصْنَ شَوْكٍ يُجَرُّ بِهِ مِنْ قَدَمِي إِلَى هَامَتِي. ثُمَّ قَالَ:
(لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ مَا قَدْ بَدَا لِي ... فِي قِلالِ الْجِبَالِ أَرْعَى الْوُعُولا)
لَيْتَنِي كُنْتُ حَمْضًا عَرَكَتْنِي الإِمَاءُ بِذَرِيرِ الإِذْخِرِ. وَنَظَرَ إِلَى صَنَادِيقَ فِيهَا مَالٌ فَقَالَ لِبَنِيهِ: مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْرًا!
وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يقول في مرضه: وددت إني عبد لرحل مِنْ تِهَامَةَ أَرْعَى غُنَيْمَاتٍ فِي جِبَالِهَا وَأَنِّي لَمْ أَلِ مِنْ هَذَا الأَمْرِ شَيْئًا.
وَلَمَّا احْتُضِرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: إِلَهِي أَمَرْتَنِي فَلَمْ أَئْتَمِرْ وَزَجَرْتَنِي فَلَمْ أَنْزَجِرْ. غَيْرَ أني أقول: لا له إِلا اللَّهُ.
وَلَمَّا احْتُضِرَ الرَّشِيدُ أَمَرَ بِحَفْرِ قَبْرِهِ ثُمَّ حُمِلَ إِلَيْهِ فَاطَّلَعَ فِيهِ فَبَكَى حَتَّى رُحِمَ ثُمَّ قَالَ: يَا مَنْ لا يَزُولُ مُلْكُهُ ارْحَمْ مَنْ قَدْ زَالَ مُلْكُهُ.
وَكَانَ الْمُعْتَصِمُ يَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ: ذَهَبَتِ الْحِيَلُ فلا حيلة.