{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بما صبروا} كَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ كَأَبِي جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدِ قَدِ اتَّخَذُوا فُقَرَاءَ الصَّحَابَةِ كَعَمَّارٍ وَبِلالٍ وَخَبَّابٍ وصهيب سخرياً يستهزءون بِهِمْ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ , فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ لَهُمْ: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} على أذاكم واستهزائكم.
أما عَلِمَ الصَّالِحُونَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ رِحْلَةٍ دَافَعُوا زَمَانَ الْبَلاءِ وَأَدْلَجُوا فِي لَيْلِ الصَّبْرِ عِلْمًا مِنْهُمْ بِقُرْبِ فَجْرِ الأَجْرِ , فَمَا كَانَتْ إِلا رَقْدَةٌ حَتَّى صَبَّحُوا مَنْزِلَ السَّلامَةِ , نَفِذَتْ أَبْصَارُ بَصَائِرِهِمْ بِنُورِ الْغَيْبِ إِلَى مُشَاهَدَةِ مَوْصُوفِ الْوَعْدِ , فَتَعَلَقَّتْ يَدُ الآمَالِ بِمَا عَايَنَتْ بَوَاطِنُ الْقُلُوبِ , وَأَخْمَصُوا عَنِ الْحَرَامِ الْبُطُونَ , وَغَضُّوا عَنِ الآثَامِ الْجُفُونَ , وَسَكَبُوا فِي ظَلامِ اللَّيْلِ الدُّمُوعَ , وَتَمْلَمُلوا تململ الملسوع , استقاد قلوبهم زمان التطلف , ثُمَّ جَثَّهَا سَائِقُ التَّعَسُّفِ , فَكُلَّمَا أَلاحَ لَهُمُ الرَّجَاءُ نُورَ الْوِصَالِ طَبَّقَ ظَلامُ الْخَوْفِ سَمَاءَ الأَعْمَالِ , فَهُمْ فِي بَيْدَاءِ التَّحَيُّرِ يَسْرَحُونَ , وَمِنْ بَابِ التَّضَرُّعِ لا يَبْرَحُونَ , وَحُزْنُهُمْ أَوْلَى مِمَّا يَفْرَحُونَ , فَإِذَا عَمَّهُمُ الْغَمُّ فَبِالذِّكْرِ يَتَرَوَّحُونَ , رَفَضُوا الدُّنْيَا فَسَلَّمُوا وَطَلَبُوا الأُخْرَى فَمَا نَدِمُوا , يَا بُشْرَاهُمْ إِذَا قَدِمُوا وَغَنِمُوا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الصوفي , أنبأنا أبو سعد الْحِيرِيُّ , أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرَازِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الطَّبَرِيُّ , حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ , حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ , عن الوليد ابن مُسْلِمٍ , عَنِ الأَوْزَاعِيِّ , قَالَ حَدَّثَنِي حَكِيمٌ مِنَ الحكماء قال مرت بِعَرِيشِ مِصْرَ وَأَنَا أُرِيدُ الرِّبَاطَ , فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ فِي مَظَلَّةٍ قَدْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاهُ وَبِهِ أَنْوَاعُ الْبَلاءِ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ للَّهِ حَمْدًا يُوَافِي