فَأَصْبَحَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: {اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأخيه} فَلَمَّا عَادُوا إِلَيْهِ بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ وَهِيَ الْقَلِيلَةُ , وقفوا موقف الذل , وقالوا: تصدق علينا. فقال: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف} وكشف الحجاب عن نفسه , فعرفوه فقالوا: {أئنك لأنت يوسف} فَحِينَئِذٍ قَالُوا: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ علينا} . قَالَ الزَّجَّاجُ: تَاللَّهِ بِمَعْنَى: وَاللَّهِ. إِلا أَنَّ التَّاءَ لا يُقْسَمُ بِهَا إِلا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلا يَجُوزُ: تَالرَّحْمَنِ وَلا تَرَبِّي. وَالتَّاءُ تُبْدَلُ

مِنَ الْوَاوِ كَمَا قَالُوا فِي وُرَاثٍ: تُرَاثٌ. وَقَالُوا: يَتَّزِنُ. وَأَصْلُهُ يُوتَزَنُ , مِنَ الوزن. ومعنى " آثرك الله " اخْتَارَكَ وَفَضَّلَكَ , وَكَانَ قَدْ فُضِّل عَلَيْهِمْ بِالْحُسْنِ وَالْعَقْلِ وَالْحِلْمِ وَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ {وَإِنْ كُنَّا لخاطئين} أَيْ لَمُذْنِبِينَ آثِمِينَ فِي أَمْرِكَ.

{قَالَ لا تثريب عليكم اليوم} أَيْ لا أُعَيِّرُكُمْ بِمَا صَنَعْتُمْ. ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ أَبِيهِ فَقَالُوا: ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ. فَأَعْطَاهُمْ قَمِيصَهُ وَقَالَ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أبي يأت بصيرا} وَهُوَ قَمِيصُ الْخَلِيلِ الَّذِي كَانَ فِي عُنُقِ يُوسُفَ , وَكَانَ مِنَ الْجَنَّةِ , فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ حَمَلَ الْقَمِيصَ يَهُوذَا وَقَالَ: أَنَا حَمَلْتُ قَمِيصَ الدَّمِ وَهَا أَنَا أَحْمِلُ قَمِيصَ الْبِشَارَةِ. فَخَرَجَ حَافِيًا حَاسِرًا يَعْدُو وَمَعَهُ سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَكْلَهَا , فَقَالَ يَعْقُوبُ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يوسف لولا أن تفندون} أَيْ تُنْكِرُونَ عَلَيَّ لأَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهُ حَيٌّ.

{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بصيرا} . ثم خرج في نحو من سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِهِ , وَخَرَجَ يُوسُفُ لِتَلَقِّيهِ , فَلَمَّا الْتَقَيَا قَالَ يَعْقُوبُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُذْهِبَ الأَحْزَانِ. فَقَالَ يُوسُفُ: بَكَيْتَ يَا أَبَتِي حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُكَ , أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقِيَامَةَ تَجْمَعُنِي وَإِيَّاكَ! فَقَالَ: يَا بُنَيَّ خَشِيتُ أَنْ يُسْتَلَبَ دِينُكَ فَلا نَجْتَمِعُ!

وَكَانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ يركب في كل شهر ركبة في ثمانمائة أَلْفٍ , وَمَعَهُ أَلْفُ لِوَاءٍ وَأَلْفَا سَيْفٍ , فَيَدُورُ فِي عَمَلِهِ فَيَنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ.

وَكَانَتْ زُلَيْخَا تَلْبَسُ جُبَّةَ صُوفٍ وَتَشُدُّ وَسَطَهَا بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ وَتَقِفُ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015