وَبعده كَمَا نقُول فِي العقليات وَلما وجدنَا هَذِه الْمعَانِي مَوْجُودَة قبل الشَّرْع وَلَا توجب الحكم دلّ على أَنه لَا توجب بعده
قُلْنَا هَذَا يبطل بِهِ إِذا نَص عَلَيْهَا وأمرنا بِالْقِيَاسِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي الحكم قبل الشَّرْع وتقتضيه بعد الشَّرْع
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الشَّرْع علل توجب الحكم لوَجَبَ أَن يُوجد الحكم بوجودها وَيَزُول بزوالها كَمَا نقُول فِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة وَلما ثَبت أَنه يجوز أَن ترْتَفع الْعلَّة وَيبقى الحكم دلّ على أَنَّهَا لَا توجب
قُلْنَا علل الْعقل مُوجبَة للْأَحْكَام لأنفسها فَلَا يجوز أَن ترْتَفع وَحكمهَا بَاقٍ وَعلل الشَّرْع إِنَّمَا صَارَت عللا بِالْوَضْعِ فوزانها من العقليات مَا كَانَت عللا بِالْوَضْعِ مثل أَن تَقول اضْرِب من كَانَ خَارج الدَّار فَيجوز أَن ترْتَفع هَذِه الْعلَّة وَيبقى حكمهَا
وَلِأَن علل الْعقل مُوجبَة للْأَحْكَام بالكون فَلَا يجوز أَن تفارق معلولاتها كالحياة فِي إِيجَاب كَون الشَّخْص حَيا وَعلل الشَّرْع أَمَارَات على الْأَحْكَام فَجَاز أَن تفارق أَحْكَامهَا كالنطق فِي الدّلَالَة على كَون الشَّخْص حَيا فَإِنَّهُ لَو كَانَ أَمارَة جَازَ أَن يَزُول ذَلِك وَتبقى الْحَيَاة
قَالُوا لَو جَازَ أَن تعلم الْأَحْكَام بِالْقِيَاسِ لجَاز أَن يعلم مَا يكون بِالْقِيَاسِ فَلَمَّا لم يجز هَذَا لم يجز ذَلِك
قُلْنَا لَو نصب على ذَلِك دَلِيل لجَاز أَن يعلم وَلِهَذَا جَوَّزنَا الْعلم باقتراب السَّاعَة بِمَا نصب عَلَيْهَا من الأمارات والدلائل وَإِن كَانَ ذَلِك على مَا يكون فِي الْمُسْتَقْبل فَسقط مَا قَالُوهُ
قَالُوا الْقيَاس فعل القائس ومصالح الْعباد لَا يجوز أَن تتَعَلَّق بِفعل القائس
قُلْنَا لَو كَانَ هَذَا دَلِيلا فِي إبِْطَال الْقيَاس فِي الشَّرْع لوَجَبَ أَن يَجْعَل دَلِيلا فِي إبِْطَال الْقيَاس فِي الْعقل فَيُقَال إِن الْقيَاس فعل الْإِنْسَان وحقائق الْأُمُور لَا يجوز أَن تتَعَلَّق بِفعل الْإِنْسَان فَيجب أَن يبطل ذَلِك وَلما صَحَّ ذَلِك بَطل مَا قَالُوهُ