وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ فصل بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَة بَين الْجُمْلَة الأولى وَبَين الِاسْتِثْنَاء فَلم يرجع الِاسْتِثْنَاء إِلَيْهِمَا كَمَا لَو فصل بَينهمَا بِقطع الْكَلَام وإطالة السُّكُوت
قُلْنَا الْفَصْل بَين الْجُمْلَة وَالِاسْتِثْنَاء بالْكلَام لَا يمْنَع من عود الِاسْتِثْنَاء وَإِن كَانَ الْفَصْل بالإطالة وَالسُّكُوت يمْنَع أَلا ترى أَنه لَو فصل بَين الْجُمْلَة وَالِاسْتِثْنَاء بالْخبر بِأَن يَقُول أعْط بني تَمِيم وَبني طَيء كل وَاحِد دِينَارا إِلَّا الْكفَّار لم يمْنَع ذَلِك من رُجُوع الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع وَلم يَجْعَل ذَلِك بِمَنْزِلَة مَا لَو فصل بَينهمَا بِالسُّكُوتِ
قَالُوا وَلِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء تعقب جملتين فَلم يرجع بِظَاهِرِهِ إِلَيْهِمَا كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا ثَلَاثًا إِلَّا أَرْبعا
قُلْنَا إِنَّمَا يرجع فِيمَا ذَكرُوهُ إِلَى الْجَمِيع لِأَن الِاسْتِثْنَاء يرفع الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهَاهُنَا لَا يرفع الْمُسْتَثْنى مِنْهُ يدلك عَلَيْهِ أَن فِيمَا ذَكرُوهُ لَو انْفَرَدت كل وَاحِدَة من هَذِه الْجمل وتعقبها الِاسْتِثْنَاء لم يرجع إِلَيْهَا وَهَاهُنَا لَو انْفَرَدت كل وَاحِدَة من هَذِه الْجمل وتعقبها الِاسْتِثْنَاء رَجَعَ إِلَيْهَا فَدلَّ على الْفرق بَينهمَا
قَالُوا وَلِأَن الْعُمُوم قد ثَبت فِي كل وَاحِدَة من هَذِه الْجمل وتعقبها الِاسْتِثْنَاء وَتَخْصِيص جَمِيعهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوك فِيهِ فَلَا يجوز تَخْصِيص الْعُمُوم بِالشَّكِّ
قُلْنَا لَا نسلم ثُبُوت الْعُمُوم مَعَ اتِّصَال الِاسْتِثْنَاء بالْكلَام ثمَّ هَذَا يبطل بِالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَة إِذا تناولت أَشْيَاء ثمَّ تعقبها اسْتثِْنَاء بِأَن الْعُمُوم قد ثَبت لكل وَاحِدَة من الْجمل على زعمهم ثمَّ الِاسْتِثْنَاء يعود إِلَى الْجَمِيع
وعَلى أَنا نعارضهم بِمثلِهِ فَنَقُول الْقدر الَّذِي حصل عَلَيْهِ الْوِفَاق أصل دَاخل فِي عُمُوم الجملتين بِيَقِين وَهُوَ لم يتَنَاوَلهُ الِاسْتِثْنَاء بِالْإِجْمَاع وَمَا زَاد عَلَيْهِ مَشْكُوك فِيهِ فَلَا يحمل اللَّفْظ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ