النَّبْشُ لِعُذْرٍ، وَإِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْرَجَ أَبَاهُ مِنْ قَبْرِهِ وَدَفَنَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مُعَاوِيَةُ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: نَقْلُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ لَيْسَ بِحَسَنٍ وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ تَأْثِيمَ فَاعِلِهِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أُحْدِثَتْ قُبُورٌ بِفِنَاءِ قَوْمٍ فِي غَيْبَتِهِمْ ثُمَّ قَدِمُوا فَلَهُمْ تَسْوِيَةُ قَدِيمِهَا بِالرَّمْيِ عَلَيْهَا وَلَا أُحِبُّ تَسْوِيَةَ جَدِيدِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَهُ فِي الْجَدِيدَةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَفْنِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْمِلْكِ الْمُحَوَّزِ لَمْ يَكْرَهْهُ بَلْ لَهُمْ نَبْشُهَا وَتَحْوِيلُهَا إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ كَفِعْلِ مُعَاوِيَةَ.
ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِفِعْلِ مُعَاوِيَةَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ
لِمَصْلَحَةٍ
عَامَّةٍ حَاجِيَّةٍ كَبَيْعِ الْحَبْسِ لِتَوْسِيعِ جَامِعِ الْخُطْبَةِ. ابْنُ سَهْلٍ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْمَشْيِ عَلَى أَسْنِمَةِ الْقُبُورِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشُقُّ الْمَقَابِرَ عَلَى أَسْنِمَتِهَا لَا بَيْنَهَا» . وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَشْيُ عَلَى الْمَقَابِرِ لِمَنْ لَهُ قَبْرٌ ضَرُورَةً وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَفُّظِ أَنْ لَا يَهْدِمَهَا وَلِلضَّرُورَةِ أَحْكَامٌ (إلَّا أَنْ يَشِحَّ رَبُّ كَفَنٍ غُصِبَهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ دُفِنَ بِثَوْبٍ لِغَيْرِهِ نَبَشَ لِأَخْذِهِ رَبُّهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ أَوْ يَرُوحَ الْمَيِّتُ. سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ صَدَّقَهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَقَطَ خَاتَمُهُ فِي الْقَبْرِ أَوْ دَنَانِيرُ كَانَتْ فِي كُمِّهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَيِّتُ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ نَسِيَ فِي الْقَبْرِ كِيسًا أَوْ ثَوْبًا نُبِشَ وَإِنْ طَالَ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْوَرَثَةُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ (أَوْ قَبْرٍ بِمِلْكِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَوْضِعُ الْقَبْرِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الدَّفْنِ فَلَا يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِ الْمَالِكِ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، فَإِنْ حَفَرَ قَبْرًا فَجَاءَ غَيْرُهُ وَدَفَنَ فِيهِ وَأَرَادَ الْمَالِكُ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطُولَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: لَهُ الِانْتِفَاعُ بِظَاهِرِ أَرْضِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ نَحْوَ هَذَا هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ ". وَأَمَّا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلدَّفْنِ فَهُوَ حَبْسٌ فَإِنْ حَفَرَ فِيهِ وَجَاءَ غَيْرُهُ فَدُفِنَ فِيهِ فَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ وَيَبْقَى مَا الَّذِي يَجِبُ لِحَافِرِ الْقَبْرِ فَقِيلَ ثَانٍ وَقِيلَ قِيمَةُ الْحَفْرِ.
قَالَهُ ابْنُ اللَّبَّادِ، وَقِيلَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ، وَقِيلَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا قَالَهُ اللَّخْمِيِّ قَالَ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ (أَوْ نَسِي مَعَهُ مَالٌ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ سَحْنُونٍ (وَإِنْ كَانَ بِمَا يَمْلِكُ فِيهِ الدَّفْنَ بَقِيَ وَعَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ) تَقَدَّمَ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.
(وَأَقَلُّهُ مَنْعُ رَائِحَتِهِ وَحَرَسِهِ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ عَاتٍ مَنْ رَأَى تَعْمِيقَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ النَّبْشُ.
(وَبُقِرَ عَنْ مَالِ كَثُرَ وَلَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) سَحْنُونَ يُبْقَرُ عَنْ دَنَانِيرَ فِي بَطْنِ الْمَيِّتِ لَا عَلَى مَا قَلَّ. عَبْدُ الْحَقِّ: فِي كَوْنِ مَا قَلَّ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ نِصَابِ الزَّكَاةِ خِلَافٌ. وَأَجَابَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ مُقِيمِ شَاهِدٍ عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يُدْفَنْ أَنَّهُ بَلَعَ دَنَانِيرَ يَحْلِفُ لِيَبْقُرَ بَطْنَهُ قَائِلًا اُخْتُلِفَ فِي الْقِصَاصِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ (لَا عَنْ جَنِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَبْقُرُ بَطْنَ الْمَيِّتَةِ إذَا كَانَ جَنِينُهَا يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِهَا.
وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ كَمُلَتْ حَيَاتُهُ وَرُجِيَ خَلَاصُهُ بَقَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: رَأَيْت رَجُلًا مَبْقُورًا عَلَى نَاقَةٍ مَبْقُورَةٍ قَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا بَقَرَ فَمِنْ خَاصِرَتِهَا الْيُسْرَى. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ عِنْدِي الْبَقْرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَأْلَمُهُ. وَقَدْ رَأَى أَهْلُ الْعِلْمِ قَطْعَ الصَّلَاةِ خَوْفَ وُقُوعِ صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى