فَجَاوَبَهُ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ. اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ مَرْوَانَ يُعَيِّرُنِي بِالْبُخْلِ وَالْغَيْرَةِ وَالْعِيِّ، فَلَوْ وُلِّيتُ وَأَعْطَيْت النَّاسَ حُقُوقَهُمْ وَقَسَمْتُ بَيْنَهُمْ فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي مَالِي يَعْنِي فَيُبْخِلُونِي، وَلَوْ جَلَسْت إلَيْهِمْ مَجَالِسَهُمْ فَقَضَيْت حَوَائِجَهُمْ لَمْ تَبْقَ لَهُمْ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ فَيَعْرِفُونَ غَيْرَتِي، وَمَا مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ وَوُعِظَ بِهِ بِعِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَعَادَ أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَلَا يُعِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ سَكْرَانَ.
قَالَهُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ قَاضٍ أَوْ خَلِيفَةٍ أَوْ صَاحِبِ شُرْطَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُمْ الْجُمُعَةَ أَوْ غَيْرَهَا إذْ مَنْعُ الصَّلَاةِ مَعَهُمْ دَاعِيَةٌ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ. وَقَدْ صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَنَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ وَقَالَ عِيَاضٌ فِي إكْمَالِهِ: أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ كُلُّهَا حُجَّةٌ فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْجَوَرَةِ وَفِي لُزُومِ طَاعَتِهِمْ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يُخْلَعُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ. وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ.
زَادَ أَبُو حَامِدٍ: وَتَضْيِيقُ صُدُورِهِمْ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ إلَيَّ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ» قَالَ: أَوْجَبُ مَا يَكُونُ هَذَا عَلَى مَنْ وَاكَلَهُمْ وَجَالَسَهُمْ وَكُلِّ مَنْ أَمْكَنَهُ نُصْحُ السُّلْطَانِ لَزِمَهُ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إذَا رَجَا أَنْ يَسْمَعَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالدُّعَاءُ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ ثُمَّ نَقَلَ بِسَنَدِهِ: كَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَوْنُهُ قُرَشِيًّا ".
(فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَامَ عَلَى إمَامٍ مَنْ أَرَادَ إزَالَةَ مَا بِيَدِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ الذَّبُّ عَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَعَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَهُمْ إلَى الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا فَعَذَرَهُمْ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ لَا يَعِيبَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ. الْقَرَافِيُّ: الزَّوَاجِرُ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الْمَزْجُورُ آثِمًا كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ، وَكَذَلِكَ الْبُغَاةُ إنَّمَا قِتَالُهُمْ دَرْءٌ لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ قَالَ: وَيَفْتَرِقُ قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا مِنْهَا: أَنَّهُ يَقْصِدُ بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ، وَيَكُفُّ عَنْ مُدَبَّرِهِمْ وَلَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يَقْتُلُ أَسْرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ، وَلَا تُحَرَّقُ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا تُقْطَعُ أَشْجَارُهُمْ وَلَا يَدْعُهُمْ عَلَى مَالٍ، وَيَفْتَرِقُ أَيْضًا قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْمُحَارَبِينَ بِأَنَّ الْبُغَاةَ لَا يُطْلَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوهُ مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ خَرَاجٍ وَزَكَاةٍ وَسَقَطَتْ عَمَّنْ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ عِزُّ الدِّينِ مِثْلَ الزَّوَاجِرِ قَالَ مَا نَصُّهُ: الْمِثَالُ الثَّانِي الزَّجْرُ عَنْ مَفْسَدَةِ الْبَغْيِ، فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الطَّاعَةِ كَفَفْنَا عَنْ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَهَذَا زَجْرٌ عَنْ مَفْسَدَةٍ لَا إثْمَ فِيهَا.
(وَإِنْ تَأَوَّلُوا) أَبُو عُمَرَ: رَأَى مَالِكٌ قِتَالَ الْخَوَارِجِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ.
قَالَ سَحْنُونَ: أَدَبًا لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى تَرْكِ قِتَالِهِمْ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْخَوَارِجِ إنْ كَانَ رَأْيُ الْقَوْمِ أَنْ