سَحْنُونَ: وَإِذَا غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا كَالْحُرَّةِ يَغْتَصِبُهَا فَتَمُوتُ عِنْدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ أُمَّ الْوَلَدِ أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ أَمَةٍ حَتَّى يَمُوتَ سَيِّدُهَا أَصَحُّ فَلَا تُشْبِهُ الْحُرَّةَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَا يَضْمَنُهَا بِالنَّقْلِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَمَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ غَصَبَ حُرًّا فَبَاعَهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ طَلَبُهُ، فَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ أَدَّى دِيَتَهُ إلَى أَهْلِهِ. وَقَدْ نَزَلَتْ بِطُلَيْطِلَةَ فَكَتَبَ قَاضِيهَا إلَى ابْنِ بَشِيرٍ بِقُرْطُبَةَ فَجَمَعَ ابْنُ بَشِيرٍ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَفْتَوْا بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ أَغْرِمْهُ دِيَةً كَامِلَةً فَقَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَغَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَضَمِنَ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَإِنْ تَعَيَّبَ وَإِنْ قَلَّ كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ وَقَمْحٍ طُحِنَ ".

(وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمُغَرِّمٍ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إنْ ظَلَمَ أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ لَا، أَقْوَالٌ) اُنْظُرْ مُقْتَضَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ أَنْ لَا غُرْمَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ دَلَّ لِصًّا " وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِ مَنْ اعْتَدَى عَلَى رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَالْمُتَعَدِّي يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَهُ إلَيْهِ تَجَاوَزَ فِي ظُلْمِهِ وَأَغْرَمَهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: عَلَيْهِ الْأَدَبُ وَقَدْ أَثِمَ. وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُفْتِي فِي مِثْلِ هَذَا إنْ كَانَ هَذَا السَّاعِي إلَى السُّلْطَانِ الصَّالِحِ أَوْ الْعَالِمِ وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فِي شَكْوَاهُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَغْرَمَهُ الْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي مَظْلُومًا وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنْتَصِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَشَكَاهُ فَأَغْرَمَهُ السُّلْطَانُ وَعَدَا عَلَيْهِ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاكِي؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَلْجَئُونَ مِنْ الظَّلَمَةِ إلَى السُّلْطَانِ، وَيَلْزَمُ السُّلْطَانَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَغْرَمَ الشَّاكِي ظُلْمًا، وَكَذَلِكَ مَا أَغْرَمَ الرَّسُولُ إلَى الْمُشْكِي وَهُوَ مِثْلُ مَا أَغْرَمَهُ السُّلْطَانُ أَوْ الْوَالِي يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ ظُلْمِ الشَّاكِي وَبَيْنِ ظُلْمِ غَيْرِهِ.

وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ الْقَدْرَ الَّذِي لَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّاكِي رَجُلًا فِي الْمَسِيرِ فِي إحْضَارِ الْمُشْكَى فَذَلِكَ عَلَى الشَّاكِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا أَغْرَمَهُ الرَّسُولُ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الصَّالِحِ وَالْمَظْلُومِ حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى.

وَفُتْيَا الْأَشْيَاخِ عِنْدَنَا أَنَّ الشَّاكِي لِجَائِرٍ يَغْرَمُ لِلْمَشْكُوِّ بِهِ مَا غَرِمَ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ شَيْخِ الشُّيُوخِ ابْنِ لُبٍّ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: جَرَتْ الْعَادَةُ فِيمَنْ رَفَعَ شِكَايَتَهُ لِقَائِدِ الْفَحْصِ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَدِّبُهُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِظُلْمِهِ عِنْدَ هَذَا الْجَائِرِ لَا سِيَّمَا إذَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ إلَى الْقَاضِي فَيَدْعُوهُ هُوَ إلَى هَؤُلَاءِ الْحُكَّامِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَأْمُرُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَدْفَعَ إلَى هَؤُلَاءِ وَيَقُولُ: هُمْ أَهْيَبُ مِنْ الْقَاضِي وَأَجْهَزُ فِي الْقَضِيَّةِ، لَكِنْ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَظْلِمُهُ هَذَا الْوَالِي وَإِنَّمَا يُوصِلُهُ بِسَطْوَتِهِ، إلَى حَقِّهِ.

وَارْتَضَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015