أَمْوَالِ الْبَرْبَرِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ الْغَارَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مَا حُكْمُ الْوَرَثَةُ؟ فَقَالَ: حُكْمُهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ كَاللُّقَطَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ بِهَا وَلَا تَجِبُ لَا سِيَّمَا إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْأَمْوَالُ الْمَغْصُوبَةُ وَإِنَّمَا هِيَ نَسْلُهَا فَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا.
وَفِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ فِي الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ زَوْجَةِ الرَّجُلِ الظَّالِمِ يَأْبَى طَلَاقَهَا، لَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ وَإِثْمُهَا فِي عُنُقِهِ وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوكُ انْتَهَى.
وَهَذَا لَا شَكَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ.
قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَدْ صَارَ مَالُهُ بِيَدِهِ كَالصَّنَمِ فِي كَبَّةِ الْخُيُوطِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ: هُوَ كَالْمِدْيَانِ قَبْلَ الضَّرْبِ عَلَى يَدَيْهِ يَجُوزُ تَرْكُهَا بِلَا مُحَابَاةٍ. تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِنْتَ عَمِّهِ وَقَالَ لَهَا: رُدِّي حُلِيَّك لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ: وَانْظُرْ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ ظَفِرَ بِمَالِ مَنْ جَحَدَهُ، هَلْ لِلْفَقِيرِ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ؟ أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً.
هَذَا هُوَ الَّذِي شَافَهَنِي بِهِ ثُمَّ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ لِجَوَازِ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى مَالِ الْغَيْرِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِالدَّنَانِيرِ الْمَغْصُوبَةِ أَنَّ لَك أَنْ تَشْفَعَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرِي هِبَةً ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ حَبِيبٍ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا اشْتَرَاهُ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لَك طَابَ لَك أَكْلُهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْحَرَامَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُمَا الْمَأْخُوذَانِ بِهِ وَالْمَسْئُولَانِ عَنْهُ، وَنَحْوُ هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ قَالَ: لَك الْمَهْنَأُ وَعَلَى غَيْرِك الْمَأْثَمُ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْته دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَلَيْسَ لَك فِي السِّلْعَةِ شَيْءٌ إنَّمَا تُتْبِعُهُ بِدَنَانِيرِك.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ الشِّرَاءَ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ تَلَقَّى الْجَزَّارُ شِرَاءَهَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْل مَنْ يَقُولُ هَذَا جَوَازُ الشِّرَاءِ لِأَنَّ بِذَبْحِهَا فَاتَ بَيْعُهَا الْفَاسِدُ وَوَجَبَتْ لَهُ بِقِيمَتِهَا فَالْمُشْتَرِي مِنْ لَحْمِهَا إنَّمَا اشْتَرَى لَحْمَ شَاةٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُ بَائِعِهِ لِدُخُولِ الشَّاةِ فِي ضَمَانِهِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ ضَمِنَ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُمَكَّنُ رَبُّ الْقَمْحِ مِنْ أَخْذِ الدَّقِيقِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ إلَّا إنْ طَحَنَ الْقَمْحَ سَوِيقًا وَلَتَّ بِسَمْنٍ فَيَتَّفِقُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ لَيْسَ لِرَبِّ الْقَمْحِ أَخْذُهُ كَذَلِكَ، وَلَا أَخْذُ بَعْضِهِ عَنْ قَمْحٍ لِأَنَّهُ رِبًا.
قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي مُعَامَلَةِ الْمُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ: إنَّ مُعَامَلَتَهُ فِي غَيْرِ عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ تَكُونُ كَمُعَامَلَةِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَلَمْ يُفْلِسْ لَا حُكْمَ الْمُفْلِسِ فَيُعَامَلُ بِالْقِيمَةِ اهـ. وَحَكَى ابْن رُشْدٍ هَذَا أَيْضًا وَشَهَرَ مَنْعَ مُعَامَلَتِهِ قَائِلًا. لِأَنَّ الدُّيُونَ قَدْ