فمن لم يحرم إلا المسفوح وحده فقد أحل ما حرم الله تعالى في الآية الأخرى، ومن حرم الدم جملة فقد أخذ بالآيتين جميعاً، وقد حرم بعد آية الأنعام أشياء ليست فيها كالخمر وغيره، فوجب تحريم كل ما جاء نص بتحريمه بعد ذلك، والدم جملة مما نزل تحريمه بعد تلك الآية، فوجب تحريمه.

2 – ما روى ابن كريب1 عن جبير بن نفير2 أنه قال: "قالت لي عائشة أم المؤمنين: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت: نعم، قالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حراماً فحرموه"3.

فهذه السورة جاء في بعض آياتها تحريم الدم، كقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} 4 وقول عائشة هذا يفيد حرمة تناول الدم عامة، للنص على حرمة تناوله في هذه السورة التي هي آخر ما نزل من القرآن.

والذي يترجح لدي: هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول من أن الدم الذي يحرم تناوله هو الدم المسفوح، وذلك لقوة ما استدلوا به، ولأن المطلق الذي حرم تناوله في آيتي البقرة والمائدة قيد في آية الأنعام بالمسفوح، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المطلق في آيتي البقرة والمائدة يحمل على المقيد في آية الأنعام، وقد تأيد هذا الحمل بقول ترجمان القرآن ابن عباس، واستشهاد أبي أمامة الباهلي بآية المائدة على حرمة تناول الدم المسفوح، وقصر عائشة النهي عن تناول الدم على المسفوح منه، فلو كان المراد بالنهي عن تناول الدم عموماً لما خفي هذا على أمثال ابن عباس وعائشة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015