وهذه النظرية التي قدسها المتكلمون يونانية الأصل، حيث إن أوّل من قال بها "ديمقريطس1 من فلاسفة اليونان2.
فما كان ينبغي لمسلم أن يلجأ إلى نظرية هذا مصدرها وهي غير سالمة من النقد فيتعب نفسه في بيانها وتقريرها والذب عنها، ولكن المتكلمين فعلوا. إلاّ أن حججهم التي اعتمدوها هنا واهية، أو هي من خيط العنكبوت.
حجج تهافت كالزجاج تخالها ... تبقى وكل كاسر مكسور
وشيخنا البيهقي - رحمه الله - كما هو معروف عنه من التمسك بالسنة والذب عنها، لم يكن ليقود ما قاله المتكلمون في تمجيد هذه النظرية، بل إنه اقتصر على إيراد دليل الحدوث، على سبيل الحصر للطرق السليمة التي يراها - في نظره - صالحة للاستدلال على هذا المطلب، فإنه كما يلاحظ قدم طريقة القرآن الكريم، مما ينبئ عن اهتمامه بها، وجعله مثل هذه الطريق ثانوية يمكن الاستغناء عنها، مع إمكان سلوكها، فالرجل اقتنع بصحتها، ولم يقل بوجوبها، والاستغناء بها عن سواها. إذ إن منهجه السلفي منعه من الوقوع في مثل ما وقع فيه المتكلمون.
أما عن الوحدانية فإن أدلته لإثباتها هي عين أدلته لإثبات الوجود، لذلك لا أرى ثمة ضرورة لعقد فصل مستقل، فأكتفي بما ذكرت عن أدلة الوجود.