قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الزرع إذا أفرك فقد وجبت فيه الزكاة: العشر، أو نصف العشر - حبا مصفى تكون النفقة في ذلك من ماله، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح - نصف العشر.
فعلى صاحب الزرع أن يحسب كل ما أكل منه، أو أعلفه، أو استأجر به في عمله، لوجوب ذلك عليه في ماله، قال ابن المواز: وكذلك ما تصدق به، إلا أن يكون ذلك كله تافها يسيرا لا قدر له؛ وقد قيل: إنه ليس عليه أن يحصي ما أكل منه أو تصدق به - وهو فريك، أو قبل أن ييبس، لقوله عز وجل: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وهو مذهب الليث بن سعد.
وأما ما أكل منه بعد يبسه، أو أعلفه، فلا اختلاف في أنه يجب عليه أن يحصيه، واختلف فيما تصدق به بعد اليبس - إن كانت الصدقة على المساكين، إذ قد قيل في قوله عز وجل: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] : أنه أن يعطي منه المساكين ما تيسر عند حصاده من غير الزكاة - سوى الزكاة - ندبا، وقيل: فرضا واجبا - مع فرض الزكاة، وقيل: نسخه فرض الزكاة: قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» فمن جعله ندبا، أو فرضا واجبا - مع الزكاة، فليس عليه أن يحصيه، ومن رآه منسوخا بالزكاة، أو قال: إن المراد به الزكاة - وهو مذهب مالك، أوجب عليه أن يحصيه - كما قال ابن المواز، ولا يجوز له أن يحسبه من زكاته - إذا نوى به صدقة التطوع، وكذلك لو أعطاه - ولا نية له في تطوع، ولا زكاة، وقد اختلف