مسألة قلت له: فالرجل المحتاج يجد اللقطة: الدينار، أو النصف دينار، أو نحوه - وهو محتاج؛ أترى أن يأكله، قال: لا أحب ذلك له، فإن أكله، غرمه إن جاء ربه؛ فأما أنا، فلا آمره بذلك.
قال محمد بن رشد: مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللقطة لا يجوز لواجدها أكلها بعد التعريف؛ لأن معنى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: عنده فشأنك بها أي: أنه مخير فيها بين أن يزيد في تعريفها، ويمسكها على صاحبها؛ وبين أن يتصدق بها ويخير صاحبها - إذا جاء في أن ينزل على أجرها، أو يغرمه إياها؛ فلم ير له مالك أن يأكلها وينزل نفسه منزلة المساكين - إن كان مسكينا، إذ له أن يتصدق بها على المساكين؛ لأنه إذا فعل ذلك، كان هو الحاكم لنفسه، فلم ير ذلك له، وأوجب عليه الغرم؛ لأنه لو تصدق بها لغرمها، ولم ينزله في سقوط الغرم عنه منزلة غيره من المساكين - لو تصدق بها عليهم؛ لأنه حكم لنفسه بإسقاط الضمان عنها، فلم يجز ذلك له؛ وقوله في هذه المسألة، نحو قوله في المسألة المتقدمة: إن العامل على الصدقة - إذا كان مديانا، لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة، كما يأخذ الغارمون؛ ونحو ما في رسم "البز" من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع، والوكالات، في الذي يبعث معه بمال ليعطي منه كل منقطع به، فانقطع به هو فأخذ منه، أن عليه أن يبين ذلك لصاحبه، إذ ليس ما يحكم به بين الناس، كما يحكم به بينه وبين الناس، وقد اختلف في واجد اللقطة: هل له أن يأكلها بعد التعريف - على أربعة أقوال؛ أحدها: هذا أنه ليس له أن يأكلها - وإن كان محتاجا إليها، والثاني: أن له أن يأكلها - وإن كان غنيا؛ ويغرمها لصاحبها - وهو مذهب الشافعي.
والثالث: