الساعي، والساعي لا يأتيهم؛ قال: أرى عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من الزكاة، فقيل له: إنها ضعاف، ويخاف عليها أن تنكسر، وليس مثلها يجلب؛ وإن انكسر منها شيء، تكلفت مرة أخرى؛ قال: لابد من جلبها، أو يصطلحون على قيمتها؛ قلت: أرأيت إن جلبوها، فقال الساعي: ليس فيها وفاء؛ قال: لا ينظر إلى قوله، وينظر في ذلك؛ فإن كان ما جلبت فيها وفاء، وهي مما تجوز في الصدقات، أخذت منك، قال: إنه يعتل علي ويقول: إن السن قد يكون واحدا، وبينهما في القيمة دنانير.
قال: إذا جلبت ما يجوز في الصدقة - وفيه وفاء قبل منك، ولم ير بالقيمة في مثل هذا أن يشتري صدقته بقيمتها بأسا.
قال محمد بن رشد: إنما وجب عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من الزكاة، لبعدهم بمواشيهم عن موضع مياه الناس التي يجتمعون عليها بمواشيهم إلى حيث لا تمر إليه السعاة؛ لأن السنة أن يخرج السعاة إلى حيث يجتمع الناس بمواشيهم على مياههم، ولا يلزمهم أن يتبعوا من بعد بماشيته، كما لا يلزم صاحب الماشية، أن يسوق صدقته إلى الساعي - وهو جالس ببلده؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، فوجب بظاهر قوله عز وجل أن تؤخذ الزكاة من المال، حيث هو إلا أن يبعد به، فيجب عليه أن يسوق زكاته إلى السعاة، أو يصطلح معهم على القيمة - كما قال، وخفف أخذ القيمة في ذلك، لما يخاف من انكسارها في جلبها؛ لأن إعطاء القيمة فيها شراء منه لها، ومالك يكره للرجل شراء صدقته - اتباعا لابن عمر في كراهية ذلك؛ ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه.
» وقد روي إجازة ذلك عن عمر بن الخطاب،