ليس باختلاف من القول، ومعناه أنه ليس بعورة يجب سترها فرضا كالقبل والدبر، وأنه عورة يجب سترها في مكارم الأخلاق ومحاسنها، فلا ينبغي التهاون بذلك في المحافل والجماعات ولا عند من يستحي منه من ذوي الأقدار والهيئات، فعلى هذا تستعمل الآثار كلها، واستعمالها أولى من اطراح بعضها، وبالله التوفيق لا شريك له.
فيمن سبل شيئا في السبيل فأراد أن يخرج قيمته وسئل مالك عن امرأة خلعت خلخالها في سبيل الله فأرادت أن تخرج قيمته في سبيل الله وتحبسه، فقال: لا، بل تمضي ما جعلت لله عليها وتعمل بقيمته خلخالين جديدين، ثم احتج بحديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أمر الفرس الذي قال له رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تشتره ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه» .
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وزاد فيه قال سحنون: إنما يكره هذا من أجل الرجوع في الصدقة. ولمالك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب النذور فيمن قال لشيء من ماله دابة أو عبد أهديك إنه مخير في قيمته أو ثمنه، فذهب بعض أهل النظر إلى أن ذلك مخالف لهذه الرواية [في الخلخال] ولما ما في المدونة من أنه من أهدى عبده يخرج بثمنه هدايا؛ لأن الظاهر منه أنه لا يجوز له أن يمسكه ويخرج قيمته من أجل الرجوع