قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في الموطأ بكماله لمالك عن هشام عن عروة عن عائشة قالت: «ما خير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها» .

قال محمد بن رشد: «سئلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: كان خلقه القرآن» فكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يختار إذا خير في أمرين أيسرهما، لقول الله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ودين الله يسر، والحنيفية سمحة. وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى شدائده» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة» .

وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينتقم لنفسه لقول الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] . ومن هذا في القرآن كثير. وقد كان له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينتقم لنفسه لو شاء لكنه تأدب بأدب الله عز وجل في ترك الانتقام لنفسه، وهو في ذلك بخلاف غيره من الأمراء والخلفاء والقضاة والحكام، لا يجوز لأحد منهم أن يحكم لنفسه على أحد بحد ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015