الذمة لا يجب كسرها عليهم، لأنهم إنما بذلوا الجزية على أن يقروا في ذمتهم على ما يجوز لهم في دينهم، فلا يمنعون من عصر الخمر إذا لم يظهروها في جماعة المسلمين. وقد مضى هذا في هذا الرسم [من هذا السماع] من كتاب السلطان وفي رسم القبلة منه، وبالله التوفيق.
فيما يحكى عن عيسى ابن مريم أنه كان يقول وحدثني العتبي عن عيسى بن دينار عمن حدثه أن عيسى ابن مريم كان يقول: إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، ولن تبلغوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، فطوبى لمن كان نظره تعبدا ونطقه تذكرا وصمته تفكرا.
قال محمد بن رشد: هذا كله كلام صحيح قائم من كتاب الله عز وجل. وقوله: لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون قائم في غير ما آية من كتاب الله عز وجل، من ذلك قوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] . وقوله ولن تبلغوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، قائم من غير ما آية أيضا، من ذلك قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ، وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى قوله {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى قوله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] . وأمر الله عز وجل بالاعتبار بمخلوقاته في غير ما آية من كتابه فقال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وقال