قال محمد بن رشد: إنما كان عمر وعثمان يحملان الدرة تواضعا منهما ليؤدبا بها بأنفسهما من استحق الأدب، كما فعل عثمان بالقاص الذي أكثر القصص وذلك خلاف السنة، فقد «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يتخول الناس بالموعظة مخافة السآمة عليهم» . وقوله: وأنكر القصص الذين في المساجد إنما هو من قول مالك في الحكاية لا من قول عثمان.

وقوله إن أول من جعل مصحفا، يريد أول من رتب القراءة في المصحف إثر صلاة الصبح بالمسجد مثلما يصنع عندنا إلى اليوم. وقد مضى الكلام قبل هذا بيسير فيمن أول من استقضى، وبالله التوفيق.

[كراهة التمضمض في المسجد]

في كراهة التمضمض في المسجد قال مالك وذكر حديث القاسم بن محمد أن رجلا تمضمض وهو صائم والقاسم ينظر إليه ثم مجه في المسجد، وهو شيء يفعله الناس أن يتمضمضوا قبل أن يفطروا، فعاب ذلك عليه. فقيل له إنه بلغني فيه ما هو شر منه وكأنه يريد أن يحاجه، فقال القاسم: إن ذلك ما لا يجد الناس منه بدا. ثم قال مالك: وليس الشيء الذي لا يجد الناس منه بدا مثل الذي يجدون منه بدا.

قال محمد بن رشد: المعنى في كراهة ذلك بين، لأن الله عز وجل قال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] فينبغي أن ترفع وتنزه من أن يلقى فيها شيء مما يستقذر وإن كان طاهرا، فلا يتمضمض ولا يتنخم فيها ولا يبصق فيها. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015