السلام: «لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه، إلا جاءت شيئا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة". قيل: يا رسول الله وما غناه؟ قال: "خمسون درهما، أو حسابها من الذهب» . وروي عن رجل من قرينة أنه أتى النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يسأله، فسمعه يقول: «من سأل الناس وله خمس أواقي سأل إلحافا» .
فأولى هذه المقادير التي رويت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الصدقة تحرم بوجودها - بالاستعمال، ما في حديث المزني بدليل أمر رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - معاذ بن جبل إذ بعثه على الصدقة - أن يأخذها من أغنيائهم فيضعها في فقرائهم، فالفقير من توضع فيه، والغني من تؤخذ منه، وهو من ملك المقدار الذي في حديث المزني، ويحتمل أن يكون - كأن الله عز وجل أولا قد حرم على لسان رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصدقة على من عنده قوت يومه، ثم نسخ ذلك تخفيفا عن عباده، فحرمها على من عنده أوقية من فضة، ثم نسخ ذلك تخفيفا عنهم، فحرمها على من يملك خمسين درهما، ثم نسخ ذلك تخفيفا عنهم، فحرمها على من يملك خمس أواقي، فكان حمل هذه الأحاديث على هذا، أولى من حملها على التعارض؛ فمن ملك من الذهب أو الفضة ما تجب فيه الزكاة؛ أو عدل ذلك سوى ما يحتاج إلى سكناه أو استخدامه، لم تحل له الزكاة - وإن كثر عياله، ومن تملك أقل من ذلك، لم تحرم عليه الصدقة - وإن لم يكن له عيال، إلا أن غيره ممن هو أحوج منه أحق وأولى؛ وقد قال المغيرة: إنه لا يعطى الفقير من الصدقة ما تجب فيه الصدقة، ولا يعطى من له الخادم والمسكن من الزكاة - إذا كان في ذلك