قال محمد بن رشد: الحديث الذي سئل عنه مالك هو حديثه في الموطإ، عن ابن شهاب عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» ، وهذا معلوم من مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ذلك من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الحض والندب وفعل معروف بجاره، لا على الوجوب والإلزام، وابن كنانة يحمله على الوجوب ويقضي به للجار على جاره، وقول مالك أظهر لأن النهي إنما يحمل على التحريم أو الوجوب إذا لم تقترن به قرينة تدل على أن المراد به الكراهية أو الندب، ومن الدليل على أن المراد به كراهة المنع والندب إلى الإذن هو أنه إذن في حق الإذن لأن الحائط ماله وملكه وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» ، وهذا عموم فلا يخصص منه غرز الخشب في الجدار إلا بيقين في النهي عن المنع؛ لأن النهي قد يراد به الكراهة، وقد يراد به التحريم، ولو كان من حق الجار أن يغرز خشبة في جدار جاره لقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس للجار أن يمنع جاره خشبة يغرزها في جداره، ولما قال «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» إذ ليس من حق الكلام أن يقال للرجل فيما يفعله لغيره لا تفعله إلا فيما له أن يفعله به، ألا ترى أنك تقول للرجل: لا تضرب عبدك، إذ له أن يضربه، ولا تقل له: ولا تضرب أباك إذ ليس له أن يضربه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ففهم من قوله كراهة المنع لا تحريمه، إذ لو كان المنع حراما لكان من حق الزوجة أن تخرج إلى المسجد دون إذن زوجها شاء أو أبى، وقد كانت زوجة عمر بن الخطاب