أبي سفيان، قيل له: أفرأيت شريحا؟ قال: كذلك يقول أهل العراق، ونحن ننكر ذلك، وإني لأنكر ذلك من قولهم.

قيل له: يا أبا عبد الله أفترى للقاضي أن يجلس في المسجد؟ قال: نعم، وذلك من أمر الناس القديم، ويستحسن ذلك، ولقد كان قاضي عمر بن عبد العزيز وابن خلدة وغيره يجلسون في المسجد يقضون فيه، وما زال ذلك شأن الناس، وإني لأرى فيه خيرا، وأفضل الناس يدخلون ولا يغلق دونهم باب، وهل للقاضي أن يرضى بالدون من المجلس؟

قال محمد بن رشد: إنكار مالك لما قاله أهل العراق من أن شريحا كان قاضيا لعمر بالعراق يدل على أنه أراد أن معاوية أول من استقضي بموضعه الذي هو فيه لاشتغاله بما سوى ذلك من أمور المسلمين كبعث البعوث وسد الثغور وفرض العطاء وقسم الفيء وما أشبه ذلك، فقد ولى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما ذكر قضاء البصرة أبا مريم الحنفي ثم عزله، وولي كعب بن سور اللقيطي فلم يزل قاضيا حتى قتل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وولي شريحا قضاء الكوفة.

وأما استحسانه أن يكون جلوس القاضي للحكم بين الناس في المسجد للمعاني التي ذكرها من التواضع بالرضا بالدون من المجلس، وأن يصل إليه القوي والضعيف ولا يحجب عنه أحد فهو قوله في المدونة وغيرها والماضي من فعل السلف الصالح المقتدى بهم، فقد جاء في بعض الآثار: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلغه أن أبا موسى الأشعري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي بالعراق في دار سكناه فبعث رسولا إليه من المدينة وأمره أن يضرمها نارا، فدخل الرسول العراق ووافي أبا موسى الأشعري في الدار يقضي، فنزل عن بعيره وأوقد النار في بابها فأخبر أبو موسى بذلك، فخرج فازعا، فقال له: ما بالك؟ فقال: أمرني أمير المؤمنين بأن أضرمها عليك نارا لالتزامك القضاء فيها، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015