أمته، من أجور أهل التوراة، والإنجيل. وهو قوله: " وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا " إلى آخر الحديث. فأعلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهذا المثل، أن أجور أمته ضعف أجور أهل التوراة وضعف أجور أهل الإنجيل، وإن كانوا أقل عملا منهم؛ لأن مدتهم أقصر مدة منهم. وهذا في الجملة، والمعنى فيه على التفصيل، والله أعلم، أن لمن آمن بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وعمل بما شرعه إلى أن توفي، من الأجر ضعف ما لمن آمن بموسى وعمل بما شرعه، إلى أن توفي، وضعف ما لمن آمن بعيسى وعمل بما شرعه إلى أن توفي أيضا، وقد خرج البخاري هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، من غير رواية مالك معناه وإن خالفت ألفاظه ألفاظه، وخرجه من رواية يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى بما يخالف لفظه ومعناه، من الأجراء الآخرين الذين عملوا من العصر إلى المغرب، يستوجبون أجر الفريقين جميعا الذين عملوا من أول النهار إلى نصف النهار، ومن نصف النهار، إلى حين صلاة العصر، ويذهبان غما ولا شيء لهما. وهذا المثل إنما ضربه صلى الله عليه فيمن آمن بموسى من أهل التوراة، وكان على شرعه، إلى أن بعث عيسى، فلم يؤمن به، وفيمن آمن من أهل الإنجيل بعيسى، وكان على شرعه، إلى أن بعث النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلم يؤمن به؛ لأن هذين يبطل أجرهما جميعا، الأول بكفره بعيسى، والثاني بكفره بمحمد عليه السلام، ويكون لمن آمن بالنبي عليه السلام ضعف ما كان يكون لمن آمن بموسى ولم يدرك عيسى ولا كفر به، وضعف ما كان يكون لمن آمن بعيسى، ولم يدرك نبينا عليه السلام، ولا كفر به. وأما من آمن بموسى وكان على شرعه إلى أن بعث عيسى فآمن به، أو كان على شرع عيسى إلى أن بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فآمن به، فله أجره مرتين، على ما جاء فيما كتب به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى هرقل، وبالله التوفيق.