المَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الساعِي مَن تَشَرَّفَ لَهَا تَستَشْرِفُه وَمَنْ وَجَد فيهَا مَلْجأً وَمَعَاذَاً فَلْيَعُذْ بِهِ ".» وقوله: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفِّاراً يَضرِب بَعْضُكُم رِقَابَ بَعْضٍ» وما أشبه ذلك من الآثار المروية في ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإِنه كان حافظاً لآثاره، لأنه استأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكتب حديثَه فأذِنَ له في ذلك، فكان واقفاً عليه وحافظاً له. والذي دخل فيه من أمر الفتنة وهجره عليه أبو جُهيم، هو شهوده صفين وقتاله مع معاوية. وقد ذكر أنه كانت بيده الراية يومئذ، وليس ذلك مما يقدح في عدالته، لأنه لم يفعل ذلك إلا وهو على بصيرة من أمره فيما أداه إليه اجتهاده.
وقد روي أنه اعتذر من ذلك وأقسم أنه لم يرم فيها برمح ولا بسهم، وأنه إنما شهدها لعَزْم أبيه عليه في ذلك، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «أطع أبَاكَ» . وإنما أطاعه بما عرض عليه من الحجة التي ظهرت عليه حينئذ، لا أنّه أطاعه ويعتقد أنه على خطأ. هذا ما لا يحل أن يتأول عليه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه لا طَاعَةَ لأَحدٍ في مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ثم اعتذر بعد ذلك من الأمر، إذ ظهر له خلاف رأيه الأول فيه، فهو محمود في كِلتي الحالتين، وَعتْبُ أبي جُهيم عليه، إنما كان إذ لم يتورع عن ذلك. وقد كان في سعة منه. وإن كان يرى حينئذ أن معاوية على صواب لأنه رآه مغرراً إذ من يقاتل على الاجتهاد فيما لا نص فيه، فقد تذكره البصيرة في خلاف رأيه، وهو قد نشب في القتال، فتذكره الحمية مما دخل فيه من القتال فيتمادى عليه،