المخلوقات في شيء منها بإفساد ولا إصلاح. وإنما الله هو المفسد المصلح، الفاعل لكل شيء، إلا أنه تعالى قد أجرى العادة بأن يفسد من المخلوقات، وأن يصلحها عند مباشرة غيرها لها، ويعلم ذلك من الناس من جرَّبه، فوجد العادة مستمرة عليه، كالأطباء الذين يعلمون الأدوية النافعة من الضارة لتجربتهم وتجربة من تقدم من أسلافهم، ولا يسلم من ذلك سواهم ممن لم يجرب من ذلك ما جربوه، فكذلك إبار النخل وتلقيحه، علِم الانتفاع به من جربه من أهل النخل بطول التجربة، ولم يعلمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذ لم تتقدم له به تجربة، فقال لهم ما قال، مما هو مذكور في الآثار. وقولي كالأطباء الذين يعلمون الأدوية النافعة من الضارة، تَجَوُّزٌ في العبارة، إذ ليس الأدوية على الحقيقة بنافعة ولا ضارة، وإنما النافع والضار الله رب العالمين.
في إنكار النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصفرة للرجل، وإقادته من نفسه قال مالك: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلاً فيه أثَرُ صُفْرَةٍ، فَطَعَنَهُ بقدحٍ كَانَ مَعُه، فَقَالَ: له: أوْجَعْتنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَطَرَحَ الْقَدَحَ إلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ: " اسْتَقِدْ " فَقَالَ لَهُ الرجُل: إنَّ اللَّهَ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَعَلَيْكَ قَمِيصٌ، وَلَيْسَ عَلَيَّ قميصٌ. قال: فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَمِيصَ عَنْهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُقَبِّلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ» .
قال محمد بن رشد: قوله: وبهِ أثَرُ صُفرَة معناه والله أعلم وبه ودع من زعفران، ففي طعنِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه لِما رأى به من ذلك على ما يدل عليه ظاهر الحديث، دليل على أن ذلك لا يجوز له، إذ لا ينكر على أحد ما يجوز له أن يفعله. وهذا نحو ما جاء عنه صلى الله