- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا بكر أميراً على الحج سنة تسع، والنسيء قائم، والمشركون يحجون مع المسلمين، وكان قريش ومن ولدته قريش، يقفون بالمشعر الحرام يوم عرفة، ويقف سائر الناس بعرفة، ثم يجتمعون كلهم يوم النحر بمنى، فأَمر الله تعالى نبيّه عليه السلام أن يؤذن الناس ببراءة الله ورسوله من المشركين يوم الحج الأكبر أي يوم اجتماعهم الأكبر وهو يوم النحر، ليسمع جميع الناس النداء، فيبلغ شاهدهم غائبهم، فكان مما أوذنوا به ألَّا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وتليت عليهم سورة براءة إنذاراً لهم، وإعذاراً إليهم.
وقد مضى هذا كله في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الحج لتكرر المسألة هناك وبالله التوفيق.
في الرقى بالحديد والملح وعقد الخيط قال: وسُئل مالك عن الرقى بالحديد والملح وعقد الخيط، فكره ذلك كله، وكان العقد عنده في ذلك أَعظم كراهية فقيل له: فالشيء ينجم، ويجعل عليه حديدة، قال: أما التنجيم فأَرجو أَن يكون خفيفاً، إنَّه ليقع في قلبي إنَّما التنجيم لطول الليل.
قال الإمام القاضي: كراهة مالك للرقى بالحديد والملح، وعقد الخيط بينه، لأن الاستشفاء لا يكون بما سوى كلام الله تعالى وأسمائه الحسنى، وما يعرف من ذكره جلَّ جلاله، وتقدست أسماؤه، ورأى العقد في الخيط، أشد في الكراهة، لأن العقد في الخيط من ناحية السحر الذي أمر الله تعالى بالاستعاذة منه بقوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] واستحبَّ التنجيم إذ ليس فيه أكثر من التبرك بالنجوم، لما جعل الله فيها من المنفعة لعباده باهتدائهم بها في ظلمات البر والبحر.