سمعه منه، وكذلك الإِجازة، وإن كانت على مراتب، أعلاها المناولة، وأدناها أن يقول له: ما صح عندك من حديثي فارْوه عني من غير أن يعين له شيئاً يستوي مع السماع من العالم والقراءة عليه في إقراره وأمره بنقله عنه، فجاز أن يقول فيه: حدثنا وأخبرنا مجازاً ومن المحدثين من ذهب إلى أنه يقول في الِإجازة: أنبَأنا ليفرق في ذلك بين الِإجازة وبين السماع والقراءة.
وقد قيل إِنه يجوز لمن أتى إلى العالم بجزءٍ فسأله هل هو من حديثه؟ فأخذه فنظره، وقال له: نعم هو من حديثي: إِنه يجوز له أن يحدث به عنه وإِن لم يقل له حَدث به عني. وكذلك لو رآهُ ينظر في جزء، فقال له ما هذا الجزء؟ فقال: جزء من حديثي عن شيوخي فسرقه الطالب واستحسنه من غير علمه، لجاز له أن يحدث به عنه. ونظير هذا: أن يأتي الرجل بذكر حقّ إلى رجل، فيقول له: أتعرف هذا الصك؟ فيقول: نعم هو دين علي لم أؤده بعد، فإِنه يصح له أن يشهد بما فيه، وإِن لم يقل له: اشهد به على اختلاف في هذا في مذهبنا. وبالله التوفيق.
في تفسير قول الله تعالى:
{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وسئل مالك عن تفسير قول الله: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] قال هو رميُ الجمار. من كلام العرب أن يسمعوا العقل النذر، يريدون بذلك العدد.
قال محمد بن رشد: إِنما تأول مالك إِن مراد الله بقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] هو رمي الجمار، من أجل أن الوفاء بالشيء لا يكون إلا بإِكماله إلى آخره. ورمي الجمار هو آخر عمل الحج مع الطواف الذي ذكره الله معه فقال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] واستدل على ذلك بأن