مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن المسلم يقول للنصراني يا ابن الفاعلة، فيقول أخزى الله كل ابن فاعلة، فقال: إن النصراني يحلف بالله ما أراد قذفا، فإن لم يحلف سجن حتى يحلف، قال أصبغ: بل أرى أن يجلد الحد وأرى هذا جوابا في مشاتمة فهو رد عليه وتعريض له، كالذي يقول للمرأة يا زانية فتقول زنيت بك فيكون جوابا وردا لمثل ما قال، فيضرب له الحد، فالنصراني مثله غير أن المسلمين يحدان البادئ والراد عليه، والنصراني والمسلم كذلك يجب عليهما جميعا ويكونان قاذفين جميعا ومشاتمين له، غير أن النصراني لا حد له فيعاقب له قاذفه المسلم فيكون ذلك هو حده، وقد حرمته من الحد وهو يحد للمسلم الحد بعينه كاملا ثمانين سوطا.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب في أن الحد يجب بالتعريض البين كما يجب بالتصريح به، فرأى أصبغ قوله هذا في مجاوبته إياه من التعريض البين، ولم ير ذلك ابن القاسم، وقوله أظهر؛ لاحتمال أن يكون أراد بما قاله نفي ما رماه به عن نفسه من أن يكون ابن زانية لا قذفة، فرأى أن يحلف بهذا الاحتمال، وقال: إنه إن لم يحلف سجن حتى يحلف، ولم يقل ما يكون الحكم فيه إن طال الأمر ولم يحلف وذلك يتخرج على قولين، أحدهما أنه يطلق ولا يكون عليه شيء، والثاني أنه يحد إذا طال حبسه وأبى أن يحلف، والأصل في هذا اختلافهم في الكلام المحتمل أن يراد به القذف كقول الرجل للرجل يا خبيث أو يا ابن الخبيثة، فقال ابن القاسم: إنه ينكل إن طال حبسه فلم يحلف، وقال أشهب: إنه يحد إن طال حبسه ولم يحلف، فعلى أصل ابن القاسم في هذا أنه ينكل ولا يحد إذا طال حبسه فخلي سبيله في هذه المسألة؛ إذ لا موضع فيها للنكال، وكذلك إذا حلف ابتداء لا ينكل، ولو قال الشهود الذي شهدوا عليه بذلك تبين لنا من قصده أنه أراد بذلك