فلم يبعها وصرفها إليه كان قد انتفع بحفظه لها وحوزه إياها مدة كونها بيده، فهذه هي العلة في أن لا يجوز الجعل على بيعها لا كونها كثيرة، فقد يجوز الجعل باتفاق على طلب العبد الآبق وحفر البئر وما أشبه ذلك، وإن كان العمل في ذلك كله كثير من أجل أنه إن لم يتم حفر البئر لم ينتفع الجاعل بما مضى فيها من عمل المجعول له، وكذلك إن عني المجعول له في طلب العبد الآبق إلى البلاد البعيدة فلم يجده لم يكن للجاعل في طلب المجعول له إياه منفعة، فهذا هو الشرط في جواز الجعل لا ما ذكره وبالله التوفيق.
ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك عن الأرض البيضاء يعطيها الرجل للرجل على أن يغرس له أصولا، فإذا بلغت الأصول فهي بينهما نصفان نصف الأرض، ونصف النخل، قال: لا بأس بذلك أيضا إذا اشترط للأصل قدرا معلوما أن يقول حتى يثمر أو شيئا معروفا من قدرها، فإذا اشترطا هذا فلا بأس به، ولا خير فيه في بقل ولا زرع.
قيل له فبصل الزعفران يعطى على هذا النحو، وهو يقيم تسع سنين ونحو ذلك ثم ينقطع؟ قال: لا خير فيه إنما هو بمنزلة الثمرة وليس بمنزلة الأصل، فلا ينبغي ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن مغارسة الرجل للرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها أصولا بجزء منها جائزة جوزها أهل العلم قياسا على ما جوزته السنة من المساقاة، كما جوزوا قياسا عليها بناء الرحى الخربة بجزء منها، فهي سنة على حيالها ليست بإجارة محضة ولا جعل محض؛ لأنها أخذت بشبه منهما جميعا، أخذت بشبه من الإجارة في لزومها بالعقد، وشبه من الجعل في أن الغارس لا يجب له شيء إلا بثبوت الغرس وبلوغه الحد