قبض الثمن أو لم يقبض - كلام فيه نظر، أما إذا لم يقبض البائع الثمن فوضع عن المبتاع منه العشرة التي انتقص في الطعام فلا إشكال في أن ذلك جائز؛ لأنه يصير ثمن الطعام له عليه بما بقي منه بعد الوضيعة، وأما إن كان قد قبض ثمن الطعام منه وغاب عليه ثم رد إليه منه ما انتقص في ثمن الطعام فهذا لا يجوز، ويدخله البيع والسلف؛ لأن ما رد إليه من الثمن يكون سلفا، وما بقي منه يكون ثمنا للطعام، فيتهمان على القصد إلى ذلك والعمل عليه، كانا من أهل العينة أو لم يكونا إن كان الثمن إلى أجل، وإن كان الثمن نقدا فلا يتهمان في ذلك إلا أن يكونا من أهل العينة، وهذا في ما يوجبه الحكم بالمنع من الذرائع، فإن طلب المبتاع الوضيعة لم يحكم له بها في الموضع الذي يتهمان فيه على أنهما قصدا إلى البيع والسلف.
وإن لم يعثر على ذلك حتى يقبض المبتاع العشرة فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنه يرد العشرة إليه ولا يفسخ البيع، والثاني: أنه يفسخ البيع ولا شيء عليهما في ذلك فيما بينهما وبين الله تعالى إن كانا لم يعملا على ذلك ولا قصدا إليه، وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال ما فيه بيان هذا المعنى، فَقِفْ عليه وَتَدَبَّرْهُ يَبِنْ لك وَجْهُهُ إن شاء الله.
مسألة قال عيسى: وسألته عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه، فلما ذهب يقبضه وجده مسوسا فمخطه، فقال له البائع: بع ولا وضيعة عليه، فحمله في سفينة فغرقت السفينة.
قال: مصيبته من البائع؛ لأن البيع الأول لم يكن بشيء، وإنما هو بيع حادث فضمانه من البائع، ويعطي المشتري أجرته فيما حمله وشخص فيه.